المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة من كتاب " سر المسيح " ( للأستاذ / مجدي صادق )


awad
12-15-2008, 04:39 PM
لماذا تجسد الكلمة ؟
المبحث الأول
سقوط الإنسان وموته
الإنسان كائن مركب من جسـد ونفس وروح ( تسالونيكى الأولى 5 : 23 ) وهو مخلوق على صورة الله وشبهه ( تكوين 1 : 26 ) .
وقـد أوضح الكتـاب أن الروح جـوهـر عاقـل خالـد لا يفنى ولا يمـوت ( لوقا 23 : 42 - 43 )
43 فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس
44 وكان نحو الساعة السادسة، فكانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة
46 ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: يا أبتاه، في يديك أستودع روحي. ولما قال هذا أسلم الروح
وأن الله يجبلها داخل الإنسان ( زكريا 12 : 1 "" وحي كلام الرب على إسرائيل. يقول الرب باسط السماوات ومؤسس الأرض وجابل روح الإنسان في داخله "" )
وأن أمور الإنسان لا يعرفها إلا روح الإنسان الذى فيه ( كورنثوس الأولى 2 : 11 ).
ويستدل من التقليد أن الروح تقطن الجمجمة مركز التحكم فى الجسد البشرى.
أما النفس فقد أوضح الكتاب المقدس أن النفس هى الدم وأن نفس الجسـد ( أى قدرته التنفسية ) هى فى الدم ( تثنية12: 23 ) لكن احترز أن لا تأكل الدم، لأن الدم هو النفس. فلا تأكل النفس مع اللحم .
( لاويين 17 : 11 - 14 ) 11- لان نفس الجسد هي في الدم فانا اعطيتكم اياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لان الدم يكفّر عن النفس.
12- لذلك قلت لبني اسرائيل لا تاكل نفس منكم دما ولا يأكل الغريب النازل في وسطكم دما.
13 - وكل انسان من بني اسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم يصطاد صيدا وحشا او طائرا يؤكل يسفك دمه ويغطيه بالتراب.
14 - لان نفس كل جسد دمه هو بنفسه. فقلت لبني اسرائيل لا تأكلوا دم جسد ما. لان نفس كل جسد هي دمه. كل من اكله يقطع

وأنها علة حياة الجسد ( تكوين 9 : 3 ، 4 ) 3 - كل دابة حية تكون لكم طعاما. كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع
4 - غير أن لحما بحياته ، دمه، لا تأكلوه
وأنها قابلة للموت والفناء وبموتها يفقد الجسد الحيوانى أى الحى بالدم قدرته التنفسية والحركية فيموت ويعود إلى ترابه.
وقد أوضح الكتاب أن موت الإنسان كموت الحيوان ونسمة واحدة للكل كلاهما من التراب وإلى التراب يعود كلاهما ( الجامعة 3 : 19 – 20 ، 21 ). 19 - لأن ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة، وحادثة واحدة لهم. موت هذا كموت ذاك، ونسمة واحدة للكل. فليس للإنسان مزية على البهيمة، لأن كليهما باطل
20 - يذهب كلاهما إلى مكان واحد. كان كلاهما من التراب، وإلى التراب يعود كلاهما
21 - من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق ؟
ورغم أن الجسد الحيوانى القابل الموت واحد للكل إلا أن الإنسان المجبول على صورة الله وشبهه هو الحيوان الوحيد الناطق بسبب الروح الكلمانية الناطقة التى تسكنه وبموت النفس الحيوانية أى الدم تمسك روح الإنسان من جسد الموت أى تحبس فيه فى رقاد الموت الأبدى الذى هو أجرة الخطية, وإذ تعجز الروح عن إقامة جسدها المائت (لأنها ليست روح محيية ) تمسك من الموت الذى يملك على الإنسان إلى الأبد.
فالموت هو موت النفس الحيوانية الجسدانية أما الروح فلا تموت بل تمسك فى جسد الموت أى تحبس فيه.
نخلص مما تقدم أن الروح الإنسانية لا تحيى الجسد بل الدم لأنها لو كانت هى التى تحيى الجسد لأحيته بدون الدم. فإن عجزت عن ذلك فلا تكون هى علة إحياءه بل الدم.
فالروح الإنسانية بالنسبة للجسد الحى بالدم هى كالسائق بالنسبة للسيارة المتحركة بالبنزين.
فبدون البنزين أى الطاقة المحركة يعجز السائق عن تحريك سيارته رغم وجوده فيها كما تعجز الروح بموت الدم الذى يمد الجسم بالطاقة والحيوية من خلال عملية التمثيل الغذائى عن إحياء جسدها وتحريكه فتحبس فيه أى تمسك منه فى رقاد الموت الأبدى.
فالروح الإنسانية بموت الدم تمسك من جسد الموت فى رقـاد أبدى بلا أدنى قدرة على تحريك الجسـد أو إقامته من رقـاده بعـد أن لفظ نسمته أى نفس الحياة الذى يمنح الجسـد قدرته التنفسية فيصير الإنسـان جثة هامده إلى الأبـد ( إشعياء 66 : 24 24 - ويخرجون ويرون جثث الناس الذين عصوا علي، لأن دودهم لا يموت ونارهم لا تطفأ، ويكونون رذالة لكل ذي جسد .
لذلك يقول داود النبى " أنر عينى لئلا أنام نوم الموت " ( مزمور 13 : 3 ).
أى أن الروح بموت الدم تظل متحدة بجسدها المائت إذ تمسك منه وتحدر معه إلى القبر فى رقاد الموت عاجزة عن تحريكه أو إقامته أو إحياءه.
فالموت هو موت النفس الحية أو الحيوانية وهى غير الروح التى جبلها الله أولا داخل جسد آدم ولسبب ذلك صار الجسد يسمى جسد آدم. ثم نفخ الله فى أنف آدم نسمة الحياة فصار آدم بسبب هذه النفخة الأولية فى أنفه متنفسا بحركة أوتوماتيكية, وبها صار آدم نفسا حية أى حيا بالدم كسائر الحيوانات من ذوات الأنفس الحية ( تكوين 1 : 24 ).
وقد أوضح الكتاب الكيفية التى جعل الله بها آدم نفسا حية بالقول :
وجبل الرب الإله آدم الإنسان الأول ترابا من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسـا حية ( تكوين2 : 7)
فنسمة الحياة التى نفخها الله فى أنف آدم هى التى أعطت مادة الدم الجسدانية قدرتها التنفسية فصار آدم نفسا حية أى حيا بالدم الذى هو مادة حية متنفسة قابلة للموت والفناء.
ثم أوقع الرب الإله سباتا على آدم وأخذ واحدة من أضلاعه وكساها لحما وبنى منها امرأة وأحضرها إلى آدم ( تكوين 2 : 20 ) فدعاهـا حـواء لأنهـا أم كل حى ( تكوين 3 : 21 - 22 ).
من ذلك نرى أن البشرية كلها جاءت من جسد واحد لأن حواء التى منها كل أجساد البشر أخذت من جسد آدم.
وقد أوصى الله آدم بأن لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر لأنه يوم يأكل منها موتا يموت ( تكوين 2 : 17 ).
وبداهة أن الموت هو موت النفس الحية أى الدم كما هو مكتوب النفس التى تخطىء هى تموت .. موتا يموت دمه يكون على رأسه ( حزقيال 18 : 4 - 13 ).
ورغم وضوح الوصية الإلهية إلا أن حواء غرر بها بغواية الحية التى خدعتها بالقول لن تموتا بل يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر.
فمدت حواء يدها وأخذت من ثمر الشجرة المحرمة التى تم معالجتها بما أسماه بولس الرسول بشوكة الموت. فأكلت حواء من ثمر الشجرة وأعطت زوجها أيضا فأكل فسقطا معا تحت حكم الموت الأبدى الذى تحقق عمليا بموت النفس الحيوانية أى الدم.
وبالسقوط أدرك أبوينا الأولين أن الله كان أمينا وصادقا من جهة حكم الموت وأن إبليس المضل غرر بهما وخدعهما بقوله لن تموتا.
لذلك فإن ندم الإنسان علي فعلته ما كان ليوقف تأثير شوكة الموت التى صارت تعمل فى جسده الحيوانى ليثمر للموت.
وبداهة أنه لم يكن من اللائق أن يحقق الشيطان إنتصارا علي الله ويميت الإنسان الذى خلقه الله على صورته وشبهه.
لهذا دبر الله وسيلة يخلص بها آدم من الموت لا تتعارض مع عدله وصدقه وهى أن يأتى بالجسد المائت إلى عدم موت بتقديم نفسه ذبيحة عنه فيوفى العدل الإلهى حقه من جهة بموت نفسه الحيوانية عوضا عن نفس آدم, ومن الجهة الأخرى فإن الجسد إذ صار جسد الكلمة فإنه لم يعد مخضعا للموت إذ صار محييا أى مقاما من الموت بروحه المحيى الذى هو الروح القدس, وبهذا صار المسيح آدم الأخير أبا جديدا للبشرية التى تتحول فيه إلى خليقة جديدة محيية بالروح القدس الذى تناله باشتراكها باسمه فى المعمودية فتولد ثانيا ليس من دم يموت كما فى الميلاد الأول بل مما لا يموت بالروح المحيى روح آدم الأخير الذى نتحول فيه إلى خليقة جديدة روحانية أى خليقة مقامة من الموت بالروح القدس المحيى.
لذلك إذ رأى الله أن إبطال موت البشـرية التى كانت فى صـورة الله لا يتـم إلا بحضور نفس صورة الله الرب يسوع المسيح الذى خلقنا على صورته وشبهه أرسل الله أبنه إلى العالم لكى نحيا به.
لهذا أتى المسيح ابن الله بشخصه ثانيا لكى وهو صورة الآب يعيد تجديد خلقة الإنسان الذى صنعه على صـورته وشبهه ( تجسد الكلمة 13: 7 ) بمنحه قوة حياة جديدة ليس من دم يموت كالميلاد الأول بل مما لا يموت بروحه المحيى.
لهذا صار من المحتم من أجل خلاصنا أن يتخذ صورة الله ذات الجسد المخضع للموت ليموت به كسائر البشر بموت النفس الحيوانية أى الدم وبهذا يموت موتنا إنما بلا خطية محققا بذلك فداءً أبديا.
وإذ صار الجسـد الحيوانى القابل الموت جسـدا للذى هو بالطبيعة روحا محييا ( كورنثوس الأولى 15 : 45 ) فإنه لم يكن ممكنا أن يمسك من الموت مثل أرواحنا ( أعمال 2 : 24 ) لأن الجسد صار خاصا بالذى به نحيا ونتحرك ونوجد.
لذلك إذ صار الجسد خاصا بكلمة الحياة بطل الموت لأن الجسد بسبب الكلمة الذى حل فيه بروحه المحيى صار غير مائت لأنه بمجرد موت النفس الحيوانية أى الدم صار الجسد محييا بالروح القدس المحيى, وبهذا تحول الجسد من جسد حيوانى أى حى بالدم إلى جسد روحانى أى محيى بالروح القدس الذى هو روح المسيح روح القيامة والحياة ( كورنثوس الأولى 15 : 42 - 55 ) ( رومية 8 : 9 - 11 ).
فجسد المسيح وإن مات موتنا بموت الدم إلا أنه كان محييا ( أى مقاما من الموت ) بالروح القدس المحيى الذى هو روح المسـيح ( بطرس الأولى 3 : 18 ) ( كورنثوس الثانية 13 : 4 ) آدم الأخير ( كورنثوس الأولى 15 : 45
وبهذا أوجد المسيح بدم نفسـه فداءً أبديا ( العبرانيين 9 : 12 ) عاملا الصلح بدم صليبه ( كولوسى 1 : 2 ) مكفرا بدمه عن دمائنا لأن الدم يكفر عن النفس أى الدم ( لاويين 17 : 11 ) لأن الدم هو النفس ( تثنية 12 : 23 ) وبدون سـفك دم لا تحصل مغفرة ( العبرانيين 9 : 22 ) وبالمغفرة المصالحة التى لنا بها قدوما بالروح الواحد لله الآب ( أفسس 2 : 18 ).
لهذا اقتضى تدبير خلاصنا أن يتخذ الكلمة لنفسه جسدا مثل أجسادنا يصير به رأسا جديدا للبشرية لنتحول فيه إلى خليقة جديدة حية ليس بالدم المائت الذى أخذناه من آدم الأول بل بقوة حياة جديدة بالروح المحيى غير المائت الذى نأخذه من آدم الأخير ( كورنثوس الأولى 15 : 45 ) الذى يحيى أجسادنا المائتة بروحه السـاكن فينا ( رومية 8 : 9 - 11 ) هذا الذى نناله بالدفن مع المسيح فى المعمودية حتى باشتراكنا معه فى شبه موته نشترك أيضا بقيامته ( رومية 6 : 5 ).
فتصير الكلمة المكتوبة كما فى آدم يموت الجميع هكذا فى المسيح يحيا الجميع ( كورنثوس الأولى 15 : 22 ).
من ذلك نرى أن الجسد الحيوانى هو جسد حى بالدم لا بروح إنسانية حسبما يزعم نسطور, وأن قيامة المسيح وقيامتنا ليست بروح إنسانية بل بالروح القدس المحيى الذى هو وحده روح القيامة والحياة.
لهذا كان أمرا محتوما حتى ينهض الجنس البشرى من كبوته ويخلص من خطيته أن يتخذ كلمة الله جسدا بشريا من لحم ودم مثلنا حتى متى إلتقى بموتنا في جسده الخاص أبطله بروحه المحيى فتصير الكلمة المكتوبة إبتلع الموت إلى غلبة.