المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حصريا : لمحبى بابا شنودة ذهبى الفم القرن 21


حبيب البابا
04-09-2009, 08:10 PM
January 24, 2009





محاربات روحية من الداخل والخارج 1

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



كل إنسان معرض للحروب الروحية لإختبار إرادته، حتي القديسين والأبرار. غير أن أولئك الأبرار كانوا منتصرين فى محاربتهم...

والمحاربات الروحية قد تأتى إلي الإنسان من داخل نفسه، أو من الشيطان، أو من العالم، أو من الناس الأعداء الأشرار ...

?? والمحاربات الداخلية، التي من داخل النفس، من أفكار العقل وشهوات القلب وحركات الجسد، هى أصعب من المحاربات الخارجية، لأنَّ الإنسان يكون فيها عدو نفسه. ولأنه يضعف أمامها، إذ هو يشتهيها ولا يريد مقاومتها. لذلك كانت نقاوة القلب هى أهم شيء في الحياة الروحية. والقلب النقي هو حصن لا يُنال. إنه يشبه بيتاً مبنياً على الصخر، مهما هبَّت عليه الزوابع لا تسقطه ...

?? ورُبَّما يكون سبب الحرب الداخلية، إندماج الخطية في الطبع، بحيث يترسَّب في عقل الإنسان وقلبه ما يحاربه. وقد يكون سببها حالة فتور يجوزها الإنسان، أو طبيعة ضعيفة تستسلم للخطأ، أو إهمال الإنسان في ممارسة الوسائط الروحية، فيضعف القلب من الداخل، ويترك الفكر يطيش بلا ضابط ... وربما تبدأ بالتراخي في ضبط الحواس، والحواس هى أبواب يدخل منها الفكر.

والحرب الروحية الداخلية قد تأتي خفيفة أو عنيفة. وحتى إن بدأت خفيفة، فإن تراخى الإنسان لها تسيطر عليه.

ومن المحاربات الداخلية، حرب الأفكار وحرب الشهوات.

?? أمَّا عن حرب الأفكار، فقد تأتي في اليقظة أو أثناء النوم. والأفكار الخاطئة التي تحارب الإنسان أثناء نومه، ربما تكون مترسبة من أفكار وأخبار وصور النهار، مِمَّا كمن في العقل الباطن من شهوات وأفكار، وما جلبته الأذن من حكايات وأخبار، وما قرأه الشخص من قصص، وما رأته العين من صور، بحيث ترسب كل ذلك في ذهنه.

?? كل هذه تأتي مرَّة أخرى في أحلام أثناء الليل، أو في سرحان أثناء النوم، أو ما يسمونه أحلام اليقظة. ويستمر الإنسان في ذلك، إن كان القلب قابلاً لها. أمَّأ إن كان رافضاً لها، فإنها تتوقف، ويصحو هو إلى نفسه.

وإرادة الإنسان ضابط هام للفكر، فهى التي تسمح بدخول الفكر. أمَّا إن دخل خلسةً، فهى التي تسمح باستمراره أو إيقافه. ومن موقف الإرادة تأتي المسئولية?

?? ومن هنا نرد على السؤال القائل: هل هذه الأفكار إرادية، أم غير إرادية، أم شبه إراديه: أي من النوع الذي هو غير إرادي الآن، ولكنه نابع من إرادة سابقة تسبَّبت فيه؟! فقد يغرس الشيطان في عقل الإنسان يدخل إليه بغير إرادته. وهذا الفكر إن لم تكن عليك مسئولية في دخوله. فلا شك عليك مسئولية في قبوله.

?? إن أردت، يمكنك أن تطرد الفكر ولا تتعامل معه ولا ترحب به. لأنك إن قبلته، تكون خائناً لمحبة اللَّه، ومُقصِّراً في حفظ وصاياه، وفي صيانة قدسية قلبك من الداخل...

?? وقد يأتيك الفكر الخاطئ في حلم. فإن كنت نقياً تماماً، سوف لا تقبل هذا الفكر في الحلم أيضاً. وإن كنت لم تصل إلى هذا المستوى وقبلته، فستحزن في يقظتك كثيراً لقبوله. وحزنك سيترك أثره العميق في عقلك الباطن، بحيث ترفض كل حلم مماثل في المستقبل، ولو بالتدرج، إلى أن تصل إلى نقاوة عقلك الباطن.

?? إذن قاوم الفكر الخاطئ بالنهار أثناء يقظتك، لكي تتعود مقاومته حتى بالليل أثناء نومك. وتنغرس هذه المقاومة في أعماق شعورك، ويتعودها عقلك الباطن ... إذن زمام أفكارك في يدك: سواء الأفكار التي تصنعها بنفسك، أو التي ترد إليك من الخارج، من الشيطان أو من الناس. وما أصدق المثل القائل:

إن كنت لا تستطيع أن تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك، فعلى الأقل تستطيع أن تمنعه من أن يُعشِّش في شعرك...

?? وإن اشتدت عليك الأفكار بطريقة ضاغطة ومستمرة، فلا تيأس، ولا تقل لا فائدة من المقاومة، وتستسلم للفكر!! فإن اليأس يجعل الإنسان يتراخى مع الفكر، ويفتح له أبوابه الداخلية، ويضعف أمامه ويسقط. أمَّا أنت فحارب الأفكار، واصمد في قتال الأفكار، ولا تجعلها تقودك. إنما اطلب نعمة اللَّه لكي تنقذك، حتى وأنت ساقط. قل له يارب: حتى إن أنا سقطت، فإنني واحد من رعيتك ومن خليقتك، فلا تتركني، بل انقذني من سقوطي. إنها خطية ضعف، وليست خطية خيانة لك...

?? وعموماً، إلجأ أولاً إلى الوقاية فإنها خير من العلاج. املأ ذهنك إذن بفكر صالح. حتى إذا أتاك الشيطان يوماً بفكر رديئ، لا يجدك متفرغاً له، فيبعد عنك. لا تترك عقلك في فراغ، خوفاً من أن يحتك الشيطان ويغرس فيه ما يريد.

ولذلك فالقراءة الروحية مفيدة لك جداً، وكذلك أية قراءة عميقة. فإنها تشغل الذهن وتمنع الأفكار الرديئة عنه...

?? كُن مستيقظاً باستمرار، ساهراً على نقاوة قلبك، فلا يسرقك الفكر الخاطئ دون أن يحس ... فاطرد الأفكار في بادئ الأمر حينما تكون ضعيفة، وأنت لا تزال قوياً. لأنك إن تركت الأفكار الخاطئة باقية فترة في ذهنك وتثبت أقدامها وتقوى عليك. وتضعف أنت ولا تقوى عليها.

?? اهتم بالفضيلة الروحية التي يسمونها استحياء الفكر ... إذ يستحي الفكر من أن يخطئ، بينما هو أمام اللَّه الذي يراه ويسمعه في كل مكان وكل وقت.

?? ابتعد أيضاً عن مسببات الخطأ، عن العثرات التي تجلب لك أفكاراً خاطئة. ابتعد عن كل لقاء ضار، وعن كل معاشرة أو صداقة خاطئة، وعن كل القراءات التي تسبب لك أفكاراً دنسة، وعن كل السماعات والمناظر التي هى مصدر للفكر الخاطئ ومادامت الحواس هى أبواب الفكر، فلتكن حواسك نقية، لكي تجلب لك أفكاراً نقية. أمَّا إن تراخيت مع الحواس، فإنك تحارب نفسك بنفسك.

?? إن أتعبك الفكر وأنت وحدك، اهرب منه بالحديث مع الناس. لأنه ليس بالإمكان الجمع بين ما يقوله الناس وما يوحي به الفكر الخاطئ. واعلم أن الهروب من فكر الخطية أفضل من محاربته. لأنك حتى لو قاتلت الفكر الخاطئ وانتصرت عليه، يكون قد لوَّث ذهنك ولو إلى لحظات ...

?? لا تخدع نفسك وتقول: " سأرى كيف يسير الفكر وكيف ينتهي؟ " ولو من باب حُب الاستطلاع. لأنك تعرف تماماً أن هذا الفكر سيضرك، ورُبما يُخضعك له.

?? أيضاً إن الأفكار الخاطئة إذا استمرت، قد تقودك إلى انفعالات وشهوات تكون أخطر لأنها تنتقل من الفكر إلى القلب، ومن الذهن إلى العاطفة.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:11 PM
مفاهيم أعلنها السيد المسيح

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



أهنئكم يا أخوتى وأحبائى بعيد الميلاد المجيد، وبدء عام جديد، راجياً لكم فى هاتين المناسبتين حياة سعيدة وجديدة، أى أفضل من ذى قبل فى كل شئ. كما أرجو للعالم كله سلاماً وتعاوناً، وأن ينجو من هذه الأزمة المالية العالمية التى انتشرت من قارة إلى أخرى، وكانت لها نتائجها السيئة.

?? وكلنا نصلى من أجل اخوتنا الفلسطينيين، لكى يكونوا وحدة لها قوتها، ولكى يوقف الله العدوان الوحشى على غزة، فى قتال غير متكافئ عسكرياً قد سالت فيه دماء الآلاف من الجرحى، ومئات لاقوا مصرعهم من أجل الدفاع عن أرضهم.

إننا ندين هذا العدوان، ونعلن أنه ليس من الشرف العسكرى ضرب الأطفال والنساء والشيوخ الذين ليس فى أيديهم سلاح.

إن العدوان على المدنيين لا شئ فيه من الشهامة أو الإنسانية. ولقد كان منظر الجرحى من هؤلاء العزّل يدمي القلب ويشعل المشاعر. وليس لهم سوى الله، فلم يسرع لانقاذهم مجلس الأمن ولا هيئة الامم المتحدة.

?? إننا نحب الفلسطينيين . واهتمت بهم مصر منذ سنة 1948 أى منذ أكثر من ستين عاماً، وجعلت قضيتهم من أولى قضاياها. وكم من لقاءات عقدها الرئيس مبارك فى مصر من أجلهم، وكم من اتصالات لأجل التهدئة، ونزع فتيل النار، مع إرسال المساعدات.

ومن ذا الذى ينكر ما بذلته مصر من مجهودات لأجل الفلسطينيين. ومازالت تسعى سياسياً لعمل ما تستطيعه لأجلهم.

وإننا نصلى من أجل أن ينتهى إحتلال غزة وحصارها، وأن يوقف العدوان، وينتشر السلام فى المنطقة، وأن يتحد العرب ويعملوا بسياسة واحدة.

كما نصلى من أجل اخوتنا فى العراق وفى السودان، وأن تنتهى القرصنة الصومالية، وتُبحر السفن فى المنطقة سالمة مطمئنة.

?? هنا وأبدأ أن أكلمكم عن ميلاد السيد المسيح، وما يمكن أن نستفيده من هذا الميلاد الذى صار زاوية فى تاريخ العالم. بحيث يقال هذه سنوات ما قبل الميلاد، وسنوات ما بعد الميلاد.

?? لقد جاء المسيح يقرّب المسافة ما بين السماء والأرض، أو يحوّل الأرض إلى السماء، أو ليجعل مشيئة الله كما هى منفذة فى السماء، هكذا تكون على الأرض ... جاء يقرّب ما بين الله والإنسان، أو ينزع حاجز الخوف الذى بين الإنسان والله، مما يجعله يهرب من الله ومن وصاياه!

?? جاء يعلن أن الله أب للبشر، وكلهم أولاده. لذلك فهو يعلمهم فى الصلاة أن يخاطبوا الله قائلين : "أبانا الذى فى السموات". ويلقبه المسيح لهم بعبارة " أبوكم السماوى". والله - كأب - له كل حنو الأبوة وكل المحبة للبنين. إذ كان قد أحب خاصته الذين فى العالم، أحبهم حتى المنتهى. بل أن الله هو الحب المطلق. أو كما تعلّم المسيحية "الله محبة".

?? الله أحب العالم كله. ونحن ? خليقته ? نحبه . نعم نحبه، لأنه هو أحبنا قبلاً: أحبنا ونحن مجرد فكرة في عقله الإلهى منذ الأزل، قبل أن نوجد. وبسبب هذا الحب منحنا نعمة الوجود فخلقنا. ومن أجل محبته لنا منحنا العقل والنطق والإرادة، كما منحنا السلطة على باقي المخلوقات التي على الأرض. وبهذا صار الإنسان خليقة الله أو وكيله على أرضه.

?? والحب متبادل بين الله والبشر. وكل انسان يجد في الله الصدر الحنون الذى يلجأ إليه في كل مشكلة أو ضيقة. فهو معين من ليس له معين، ورجاء من ليس له رجاء، وميناء الذين فى العاصف ... وبإستمرار يقول الله للبشر: لا تخافوا، "ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر". "لا أهملكم ولا أترككم، بل اذا اجتمع إثنان أو ثلاثة منكم باسمى، فهناك أكون فى وسطهم". "إن نسيت الأم رضيعها، فأنا لا أنساكم".

?? علمنا السيد المسيح أيضاً أن الله هو الراعى الصالح، وكلنا من غنم رعيته. وهو الذى قال "أنا أرعى غنمي وأربضها، وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح". والله فى رعايته لنا، يبحث عن الإنسان الخاطيء الذى ضل الطريق، ويسعى إليه حتى يرده.

وللرب ألوان فى رعايته: ففي هذه الرعاية أرسل إلينا الأنبياء وزودهم بالوحي لتعليمنا وإنارة الطريق أمامنا. ومن عناصر رعايته: الإنقاذ. وهكذا فإن ملائكة الله حالة حول خائفيه وتنجيهم. ومن عناصر رعايته الحفظ. فهو يحفظنا من كل شر ومن كل سوء، يحفظ نفوسنا، ويحفظ دخولنا وخروجنا من الآن وإلى الأبد.

?? وقد علمّنا السيد المسيح كيف يتعامل الله مع الخطاة. فهو لا يشاء موت الخاطئ، بل أن يرجع ويحيا. وهو يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يرجعون. إنه يشفق على الخطاة، ويدعوهم إلى التوبة. ويقول فى ذلك "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" ونحن نعلم أن الله قد صبر على العالم الوثنى، حتى عاد إليه تاركاً عبادة الأصنام وآمن ..

وصبر على الشيوعيين الذين كانوا لا يؤمنون بوجوده، حتى آمنوا بعد سبعين عاماً من الإلحاد. وقد أطال أناته على خطاة كثيرين، حتى تابوا، بل صار بعضهم قديسين.

وعلمنا نحن أيضاً أن نتأنى على الخطاة ولا نحتقرهم، بل قيل لنا "شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنوا على الجميع" وهو أيضاً لم يصنع معنا حسب خطايانا، بل حسب رحمته.

?? وعلمنا السيد المسيح أن الله هو المخلص، الذى يخلّص شعبه من خطاياهم، والذى يخلصنا من الشيطان وكل قُوى الشر. وكانوا قبل ذلك يحسبون أنه مجرد خلاص من أعدائنا ومن جميع مقاومينا، أو هو خلاص من حكم الرومان. ولكن السيد المسيح أراهم أنه خلاص من عقوبة الخطية بالفداء. بل هو أيضاً خلاص من سيطرة الخطية ذاتها ومن أفكارها وشهواتها.

?? علمنا السيد المسيح أيضاً أن الله عادل ورحيم، وعدله لا ينفصل عن رحمته. فمن جهة عدله، هو يحاسب كل شخص حسب أعماله خيراً كانت أم شراً. ومن رحمته فهو يغفر الخطايا عن طريق التوبة. وبغفرانها بالتوبة يكون عدل الله مملوءاً رحمة، وتكون رحمة الله مملوءة عدلاً. حقاً إنه عادل فى رحمته، ورحيم فى عدله.

?? تحدث السيد المسيح كذلك عن ملكوت الله وملكوت السماء. وعلمنا أن نقول لله فى صلواتنا "ليأت ملكوتك". ونقصد بهذا ثلاثة معانٍ: منها ملكوت الله داخلنا، أى ملكوته على أفكارنا وقلوبنا وعواطفنا وحواسنا وكل حياتنا. كما نقصد ملكوت الله على كل الأرض، أى ينتشر الإيمان به فى العالم كله.

?? هذا ما تعلمناه من السيد المسيح عن الله. أما من جهتنا فعلّمنا أن تسود المحبة فى كل علاقتنا مع الناس. فنحب حتى الأعداء. وبهذا يسود السلام بيننا وبين الجميع. نسأله أن يسود السلام فى العالم كله. كما نسأل أن يحفظ بلادنا ورئيسها حسنى مبارك الذى يبذل كل جهده من أجل سلامة وطنه وكل المنطقه. وكل عام وجميعكم بخير.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:12 PM
أنواع من حروب الفكر

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



هناك ثلاثة أنواع من الناس تتعبهم الأفكار الخاطئة: أحدهما يسعى هو بنفسه إلى الفكر. وآخر يُعايش الفكر ويستبقيه. والثالث له خيال خصب، يُمكنه أن يؤلِّف قصصاً وروايات حول الفكر الخاطئ. كل هؤلاء: إن كانت أفكارهم تحول حول خطايا معينة، فلا شكَّ أن الأفكار ستتعبهم كثيراً، لأنها لا تجد في داخلهم مقاومة لها.

?? فالذي يسعى وراء الفكر الخاطئ، هذا لا تأتيه الأفكار وتُتعبه، إنما هو الذي يتعب نفسه بالأفكار. إنه يُفتش عن مصادر الفكر. فيرسل حواسه هنا وهناك، بقصدٍ ونيَّة، لكي تحصل له على مادة تُغذِّي فكره، ويفرح بذلك جداً ويشتهيه. مثاله: النوع المُحب للاستطلاع، الذي يبحث عن أخبار الناس وأسرارهم، وبخاصة ما يسئ إليهم. ويسره أن يتحدَّث في أمثال هذه الموضوعات، ويزيد على ما يسمعه تعليقات واستنتاجات من ذهنه، وحبَّذا لو كانت فضائح وشروراً. وبهذا يكنز في ذهنه صوراً تؤذيه روحياً ... وهكذا يقع في خطايا الفكر وخطايا اللسان أو خطايا القلم إن كان كاتباً. وكل نوع من هذه الخطايا يُغذِّي الآخر ويسببه ...

?? مثل هذا النوع من الناس، إن جلس مع أحد من أصدقائه أو معارفه، يُبادره على الفور: ماذا عندك من أخبار؟ مالذي حدث لفلان أو حدث منه؟ ماذا رأيت وماذا سمعت؟ وما رأيك في كل هذا؟ وماذا تعرف أيضاً؟ ويظل مُمسِكاً بهذا الصديق يستخرج كل ما عنده، مثل فلاح يحلب بقرة، ولا يترك ضرعها حتى يُخرج كل ما فيه!

?? إنه بكل هذا، يضر نفسه ويضر غيره بما يعرف من أسرار الناس وما يرويه عنها.
وكل شخص يصادفه في الطريق، يحاول أن يصطاد منه خبراً. وإن جلس إلى مائدة يأكل مع غيره، تجول عيناه ليعرف ما الذي يأكله فلان وكميته؟ وما طريقته في الأكل؟ وما الذي يحبه؟ وما الذي لا يقبله؟ وهكذا في باقي الأخبار حتى في صميم الخصوصيات!!

?? والعجيب في مثل هذا الشخص: إنه إن كان هناك شيء رديء، يتهافت على سمعه.
وإن عرف شيئاً حسناً، لا يستقبله بحماس!

إنه يجمع الأخبار والأسرار، وحواسه طائشة. وتسأله ما شأنك بهذا؟ ومالذي تستفيده من معرفة فضائح الناس؟ لا تجد جواباً! إنه مرض. يصبح عادة عنده أو جزءاً من طبعه.
إنها عادة حُب الاستطلاع ...

?? كم من أُناس أضروا أنفسهم وأضروا غيرهم بحُب استطلاع ما لا شأن لهم به، ومحاولة كشف ما هو مستور من خصوصيات الغير. وربما بحيل غير لائقة تشتمل على خطايا أخرى كثيرة ...

ولعلَّ البعض يسأل: ماذا أفعل إن لم أكن أنا مصدر الفكر، بل ضحيته من آخرين؟
أقول لك: ليس من صالحك أن تسمع أي خبر خاطئ. وإن وصل إليك الخبر، لا تُعايشه،
ولا تجعله يعيش فيك.

?? لا تستبقِ الفكر الخاطئ في ذهنك ولا حتى في أُذنيك. وابعد بكل جهدك عن الأشخاص الذين يُسبِّبون لك الفكر. وإن اضطررت إلى الاستماع إليهم بسبب خارج عن إرادتك،
فاشغل نفسك أثناء الحديث بموضوع آخر. ولا تأخذ معهم ولا تُعطِ، ولا تُركِّز في كلامهم.

وما سمعته من كلام خاطئ، لا تُعاود التفكير فيه مرة أخرى فإن هذا يُثبته في عقلك الباطن. واعرف أنك إن تهاونت في طرد الأفكار، فقد تلد لك أفكاراً أخرى. لأنه لا يوجد فكر عقيم .. وقد يلد الفكر فكراً آخر من نوعه أو من نوع آخر. وقد يلد انفعالاً أو شهوة،
أو مشاعر رديئة سيئة، وقد يلد خطايا يصعب طردها ... ويصبح الفكر الخاطئ أباً لعائلة كبيرة.

?? إن الفكر الخاطئ يجس نبضك أولاً، ليعرف مدى نقاوة قلبك ومدى استعدادك الداخلي للتفاوض معه. فإن رفضت التعامل معه، يعرف أنك لست من النوع الرخيص السهل الذي يحب ما يعرضه. فيتركك. وإن حاول أن يستمر، يكون ضعيفاً بسبب نقاوتك الداخلية.

?? إذن اغلق أبواب نفسك أمام الفكر الخاطئ، لأنه لا يستريح حتى يكمل. إن الفكر هو مُجرَّد خادم مُطيع تُرسله الشهوة حتى يُمهِّد الطريق أمامها. ومن الصعب أن يبقى الفكر مُجرَّد فكر، دون أن يتطوَّر إلى ما هو أخطر، فالفكر يتطوَّر في تنقلاته، من الحواس إلى الذهن،
إلى القلب، إلى الإرادة.

?? فإن استبقيت الفكر في أُذنيك ولو قليلاً، يزحف إلى عقلك. وهنا قد يتناوله الخيال،
فيلد منه أبناء كثيرين. وينمو الفكر في داخلك، حتى يصل إلى قلبك، وإلى مشاعرك وعواطفك وغرائزك وشهواتك. وهنا تكون الحرب الفكرية قد وصلت إلى قمتها. لأنه بتداولك مع الفكر، يأخذ سُلطاناً عليك. لأنه اجتاز حصونك ووصل إلى قلبك.

?? ما أخطر هذه الحالة. لأنه فيها يكون قلبك هو الذي يُحاربك، أو تكون لك حربان:
داخلية وخارجية، والداخلية أصعب ... ويكون وصول الفكر إلى قلبك هو أقصى ما يتمناه. وحينئذ تجتمع بناته حولك، وبناته هى شهوات القلب.

?? فإن سقط القلب في يد الفكر، تسقط بالتالي الإرادة بسهولة، إذ يضغط القلب عليها.
إن الإرادة تكون قوية حينما يكون القلب قوياً، وحينما يكون الفكر في الخارج. ولكن إذا ضعف القلب، تضعف الإرادة تلقائياً. وإن لم تفتقدها نعمة اللَّه بقوة من فوق، ما أسهل أن تستسلم، ويسقط الإنسان في خطية عملية. فالحَل السليم إذن هو عدم معايشة الفكر بل
طرده.

?? إذا سيطر الفكر على شخص، فليس فقط يقوده إلى السقوط، إنما بالأكثر إلى مرحلة أخطر هى العبودية للفكر ودوام الخضوع له. فما دام الفكر يشعر أن قلب الإنسان قد أصبح في يده، حينئذ يُمكنه أن يستمر معه أياماً أو أسابيع. ويبقى في ذهنه المُستعبد له ...
ويدخل الخيال، فيضيف إليه في كل حين شيئاً جديداً، ويطرد منه كل شيء خيِّر. وإذا بهذا الشخص ينام والفكر في ذهنه، ويصحو والفكر في ذهنه .. ويمشي أو يعمل، والفكر قائم.
إنها العبودية للفكر. وقد ييأس هذا الشخص، ويقول: خيرٌ لي أن أُنفِّذ ما يريده فكري، بدلاً من أن أبقى في تعب منه ..!

?? وإذا نفَّذ ما يُريده الفكر، ووقع في الخطية بالفعل، فإنَّ الخطية تريد أن تتكرَّر وتستمر، حتى تصبح عادة. وبدلاً من العبودية للفكر، يدخل في العبودية لممارسة الخطية ...

?? الحَل إذن هو علاج المشكلة منذ البدء. وذلك بالبُعد عن كل مصادر الفكر الخاطئ ومسبّباته. علماً بأن فكر الخطية قد لا يبدأ بخطية، لأنه بهذا يكون قد كشف نفسه، فيهرب منه القلب النقي أو يطرده أو يُقاوم بكُل السُّبُل.

لذلك يبدأ فكر الخطية بطريقٍ ملتوٍ يؤدِّي في النهاية إلى خطية. والإنسان الحيكم المختبر يعرف هذه السُّبُل ويتحاشاها.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:13 PM
حرب الشهوات

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام


الشهوات كثيرة ومتنوعة. منها شهوة الجسد، وشهوة الرئاسة والمناصب، وشهوة الكرامة والعظمة، وشهوة المال، وشهوة الإمتلاك أو الاقتناء، وشهوة الشهرة، وشهوة الزينة والجمال، وشهوة السيطرة أو السُّلطة، وشهوة الانتقام والتدمير، وشهوة المعرفة وحُب الاستطلاع ...

?? وعلى الإنسان أن يُقاوم كل شهوة خاطئة. وما أجمل قول الحكيم: " افرحوا لا لشهوة نلتموها، بل لشهوة أذللتموها ". ذلك لأن الشهوة إذا سيطرت على القلب، تكون ملكية اللَّه للقلب قد انتقلت منه إلى ذلك الشيء المُشتهَى.

?? حقاً إنه من العيب أن يُقال عن شخص إنه ( شهواني )، أي أنه يُقاد بشهوته. فإذا اصطدمت بالشهوة، فأفضل وسيلة هى أن تهرب منها، بدلاً من أن تدخل معها في صراع قد تنهزم فيه. أو على الأقل ـ إذا انتصرت ـ يكون قلبك قبل ذلك قد تَدنَّس بالشهوة.

?? مادامت الشهوة لا تستريح حتى تكمُل، فالأفضل لك هو الهروب منها، والبُعد عن مُسبباتها. لماذا تدخل معها في صراع أو نِقاش؟ إنك كُلَّما أعطيتها مكاناً أو تهاونت معها أو اتصلت بها، حينئذ تتقوَّى عليك. وتتحوَّل من مرحلة الإتصال، إلى الإنفعال، إلى الاشتعال ... إلى الإكتمال.

فتتدرَّج من التفكير فيها، إلى التَّعلُّق بها، إلى الإنقياد لها، إلى التنفيذ، إلى التكرار،
إلى الجنون بها، إلى الاستعباد لها. وقد يلجأ الشخص إلى طُرق خاطئة لتحقيق شهواته:
إلى الكذب، أو الخِداع، أو الاحتيال. ورُبَّما إلى أكثر من هذا ...

?? وأحياناً إذا تعب إنسان من شهوة، يقع في خدعة ويقول: " من الأفضل أن أُشبع هذه الشهوة، حتى أقضي على هذا الاشتياق إليها، وأستريح "!!

إنَّ الشهوة لا تَشبع أبداً. فكُلَّما يُمارس الإنسان الشهوة، يجد لذَّة، واللذَّة تدعوه إلى المُمارسة. والقصة لا تنتهي ...

?? إن إشباع الشهوة لا ينقذ الإنسان منها، بل يزيدها ...

إنسان مثلاً يشتهي المال: نراه كُلَّما يجمع مالاً، يشتاق إلى مال أكثر، ويُحب أن يكثر ماله من الآلاف إلى المليون إلى المليار ...

شاب طموح يشتهي الترقِّي: إن وصل إلى الدرجة الرابعة، يشتاق إلى الثالثة، ثم إلى الثانية فالأولى، فدرجة مدير عام.

والذي يقع في شهوة الجسد، لا يشبع من شهواته ...

أبونا آدم كان له شجر الجنة ما عدا واحدة، فاشتاق إلى هذه الواحدة، حتى أكل منها ... وبالوضع مَن وقع في شهوة النساء قد لا يكتفي ...!

?? صدق سليمان الحكيم حينما قال: " العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع.. كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن ... ".

لا تظن إذن أن إشباعك للشهوة ينقذك منها. لأنه لا ينقذك إلاَّ ضبط النفس والهروب من الشهوة. إن يوسف الصديق لم تكن له شهوة تحاربه من الداخل. ومع ذلك هرب من الشهوة التي تحاربه من الخارج من امرأة تشتهيه ...

?? مُفيد إذن هو البُعد عن الشهوات، لأنها جذور الخطايا .. فالزنى يبدأ بشهوة الجسد. والسرقة تبدأ بشهوة ما للغير أو بشهوة حُب الاقتناء. والكذب يبدأ بشهوة تبرير الذات
أو بشهوة تدبير شيء ما. والقتل يبدأ أحياناً بشهوة الانتقام أو الحسد، أو بشهوة الهروب من الانكشاف بخطية أخرى ...

?? لذلك إن نجا الإنسان من الشهوة، وانتصر عليها بالهروب منها، يكون قد انتصر على كل الخطايا التي بدايتها الشهوة ... وحقاً إن لذَّة الانتصار على النفس، بضبط النفس من جهة الشهوات، هى أعمق من لذَّة مُمارسة الشهوات ...

?? ونصيحتي لك، هى أنك إن تعبت من شهواتك، لا تيأس، ولا تظن أنه لا فائدة من المقاومة... بل فكّر فيما تستطيع أن تعمله نعمة اللَّه من أجلك، وليس ما تعجز أنت عن عمله.

إن اللَّه لا يتركك وحدك في جهادك الروحي ضد الشهوات، بل هو يعينك بقوة من عنده تسندك مادمت ترغب في أن تحيا حياة البِرّ. وفي ذلك قال أحد الآباء: " إن الفضيلة تريدك أن تريدها لا غير ". فإن أردت الفضيلة، حينئذ تدركك قوة من الأعالي تُساندك حتى تنتصر ...

?? أمَّا أنت فجاهد بكل إرادتك، وبالصلاة حتى يعينك اللَّه. ولا تخجل من أن تُصلِّي حتى وأنت ساقط تحت عنف الشهوة. بل تمسَّك باللَّه بالأكثر الذي يُمكنه أن يُنقِّيك ويُطهِّرك ...

قُل له: أنا يارب إن انهزمت أمام الشهوة، فأنا مازلت واحداً من خليقتك ومن رعاياك. أنا واحد من قطيعك الذي ترعاه حتى إن ضللت، فسوف تبحث عني وترجعني إليك.
لأنك تريد أن الجميع يخلصون، وأن ينتصروا على شهواتهم ...

أنت يارب لا تتخلَّى عني، وأنا لا أتخلَّى عنك، مهما حاول الشيطان أن يفصلني عنك .. وأنا يارب وإن كنت قد انهزمت حيناً أمام شهواتي، إلاَّ أني لم أتركك في أعماق قلبي،
ولن أتركك ...

?? لا تجعل حروب الشهوة تفصلك عن محبة اللَّه وعن محبة ملائكته وسمائه. وحتى إن ضعفت وسقطت، قُل له في عُمق: " أنت تعرف يارب أنها خطية ضعف، وليست خطية خيانة مني لك، ولو هى خطية بغضة لك، حاشا أن تكون كذلك ".

وفي كل ذلك، ثِق أن اللَّه يهتم بإنقاذك من كل شهواتك ومن كل سقوطك وضعفاتك، وسوف يجذبك إليه، ويردك إلى طريقه مهما بعدت بعيداً أو حاولت اغراءات العالم شدك إليها.

?? وتذكَّر دائماً أولئك الذين انتصروا في حرب الشهوات ضدهم، فإن ذلك يشجعك ويقويك. ولا تضع أمامك ما تعرفه عن ضعفاتك وانهزاماتك، فإنَّ ذلك يغرس اليأس في نفسك.
أيضاً تذكَّر الذين سقطوا وقاموا، ونموا في حياة التوبة حتى صاروا من الأبرار، واللَّه ـ في رحمته ـ لم يذكر لهم ماضيهم.

?? ولكي تتخلَّص من قوة الشهوات الخاطئة، حاول أن تجعل شهوة أمور أخرى من صفات البِرّ والفضيلة تحل محلها، وتجد عُمقاً في قلبك، لكي تقيم توازناً بين هذه وتلك في مشاعرك.

وثِق أن الجانب الخيِّر سوف ينمو داخل قلبك شيئاً فشيئاً، حتى تتخلَّص من شهوات الخطية.

وإن عرفت ضعفك، لا تعرّض نفسك لمحاربات الشهوة مرَّة أخرى. بل اهرب من كل مسبباتها، واغلق طرقها الموصلة إليك، واغلق أبواب قلبك أمامها. وليكن اللَّه معك.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:14 PM
حروب الشياطين

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام


من طبيعة الشيطان أن يقاوم البر والأبرار. وحروبه هى اختبار لحرية إرادتنا. فإذا انتصرنا فيها نصبح مستحقين لخيرات السماء وأيضاً تكون لنا مكافأت على الأرض. والشيطان بإستمرار يحسد السالكين فى الفضيلة، لكى لا ينالوا البركة الإلهية التى حُرم هو منها.

?? وحروب الشيطان وكل جنوده وأعوانه هى ضد الكل، لم ينجو منها أحد إذ يحاول الشيطان بكل جهده أن يبعد البشرية عن الله. فلا تظنوا أن حروب الشياطين هى للمبتدئين فقط أو للخطاة. كلا فهو يحارب الكل مهما ارتفعوا فى حياة البر، بل يحارب الأبرار بالأكثر. لذلك على كل إنسان أن يحترس، ولا يظن أنه قد ارتفع فوق مستوى هذه الحروب. والشيطان دائم الجولان فى الأرض لكى يصيد ضحاياه ويبحث عن أية فريسة ليسقطها.

?? الشيطان لا ييأس مهما كان الذى يحاربه قوياً. فالخطية قد طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. وإن كانت ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، فلا شك أن الشياطين تفرح ببار واحد إذا سقط، بل تفرح بسقوط أى أحد يخضع لهم ويصبح من أعوانهم. وهى حروب دائمة، قد تتنوع ولكنها لا تنتهى.

?? وحروب الشيطان قد تشتد فى الاوقات المقدسة، كالصوم مثلاً، والشيطان يتضايق جداً حينما نبدأ فى أى عمل روحى. فيسعى بكل الحيل لئلا تفلت الفريسة منه، فنحن نبدأ العمل الروحى وهو يبدأ فى المقاومة. لأنه لا يستريح لآية صلة لنا مع الله. كذلك إن بدأ الإنسان بالصلاة الطاهرة العميقة أو التأمل الروحى أو التسبيح، فإن الشيطان لا يقف مكتوف اليدين أو متفرجاً وإنما يعمل هو أيضاً عمله. والعمل الروحى بما فيه خدمة الله يُثير حسد الشياطين، إذ كيف للبشر الذين لهم جسد من تراب تكون لهم حياة مرتبطة بالله، بينما الشيطان وهو روح بعيد عن الله وروحه نجسة!

?? ومحاربات الشيطان قد تكون خفيفة أحياناً أو ثقيلة. فإنسان يحاربه الشيطان بشهوة ما، فإن استجاب لها يكتفى الشيطان بنقطة البدء هذه، ثم يترك هذه الفريسة المسكينة يحاربها فسادها الداخلى أو تحاربها عاداتها الخاطئة أو غرائزها. والإنسان المنتصر فى حروب الشياطين على طول الخط، ربما يحاربه الشيطان بالكبرياء، لكى يرتفع قلبه وتتركه النعمة.

?? وهناك حروب شيطانية عنيفة وفجائية، منها الظهورات المفزعة، أو الرؤى الكاذبة وسائر الضربات الشيطانية. ولكن الله لا يسمح لأن تحدث أمثال هذه الحروب لكل أحد. لأنه لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع. ولهذا ننصح الذين يُحاربون بالرؤى والأحلام المضللة، أن يعرفوا أن ليست كل الرؤى والأحلام من الله أو من العقل الباطن، فبعضها من الشياطين.

?? لا ننسى أن الشيطان حارب العالم القديم بالوثنية وعبادة الأصنام، وبعبادة الأرواح وبعض مظاهر الطبيعة مثل عبادة الشمس. كما حاربهم بتعدد الآلهة أيضاً. والبعض حاربه بإنكار وجود الله كما حدث فى الشيوعية. وأيضاً مع الوجوديين الذين غلبهم أولاً بالشهوات. ثم أقنعهم أن يقولوا "من الخير أن الله لا يوجد لكى نوجد نحن" على اعتبار أن وصايا الله تحد من حريتهم.

?? ومن محاربات الشيطان، حروب الشك، كالشك فى رعاية الله وخصوصاً إذا صلى شخص وشعر أن صلواته لم تستجب. وحروب الشك فى القيامة وفى السماء وفى عقائد كثيرة. فإن آتتك بعض هذه الحروب لا تظن أنك قد ضعت تماماً، إنها محاربات من الشيطان فعليك بالصلاة لكى ينجيك الرب منها. وقل له فى صلاتك "أنا يارب أعبدك وأؤمن بك، لكن هذه الأفكار غريبة عنى وتأتينى من الخارج". كذلك امْتَنِع عن القراءات التى تجلب مثل هذه الأفكار. وثق أن الله لا يمنع أمثال هذه الحروب ولكنه يساعدنا لكى ننتصر عليها.

?? لا تخافوا من الشيطان ومن حروبه. لأننا إن ضعفنا أمامه. نجعل للشيطان كرامة ليست له، ونجعله يتجرأ علينا. بل يجب أن نصمد أمام الشيطان ونقاومه، حينئذ لا يجد له مكاناً فينا فيهرب ويبعد عنا. كذلك لا يليق أن نترك عقولنا فى فراغ لئلا يجدها الشيطان فرصة لكى يملأ فراغنا بما يلقيه فيه من أفكار وشهوات.

?? إن الشيطان قد يحاربنا بحياة اللهو، وحياة الترف، ومحبة المادة أو المال، أو الانقياد إلى ملاذ الجسد واشباع غرائزه. كل ذلك لكى يمهد قلوبنا وأفكارنا لحروب أشد. ومنها شهوات يلقيها فى ذهن الإنسان. وهذه تكون ضعيفة فى أولها، لأنها غريبة عليه. وتظل هكذا ضعيفة إلى أن يفتح لها الأنسان باباً تدخل منه إلى قلبه، وإلى مشاعره وهكذا يكون قد أخطأ. بفتح القلب للشيطان وهذه خيانة روحية لله، ومحاولة لتحطيم ملكوت الله داخلنا.

?? هناك حروب أخرى للشيطان تكون بطيئة طويلة المدى جداً لا يشعر بها الشخص. وبها يجذب الشيطان ضحاياه بتدرج طويل يخدرهم قليلاً قليلاً، وينقص من حرارتهم الروحية شيئاً فشيئاً على مدى واسع حتى تتغير حياتهم وهم لا يدركون ذلك إلا بعد فوات الفرصة، حينئذ ينتهز الشيطان ما وصلوا اليه من فتور فيضربهم بعد ذلك ضربة شديدة وهم غير مستعدين لها.

?? وربما يغرى الشيطان بعض الناس بأن يقيموا أنفسهم مصلحين لغيرهم، وقضاة على أفعال الغير. فإن اقتنعوا بهذا يعلمهم الغضب والثورة ومسك سيرة الناس، والتدرج حتى الوصول إلى انتقاء القادة. واعتبار أنفسهم أبطالاً فى كل هذا ولا مانع من أن يتلفظوا بكلمات جارحة فى انتقاداتهم، ويفخرون بكل ذلك، ويعتبرون أنهم يفعلون خيراً ولا تؤنبهم ضمائرهم. فهذه احدى محاربات الشيطان أن يُلبس الخطية ثوب فضيلة.

?? على أننا لكى ننتصر فى حروب الشيطان، ينبغى أن نعرف صفاته واسلوبه فى القتال. حتى ندرك كيف نقاومه. فما هى صفات الشيطان؟ وكيف يحارب؟ وهل له اسلوب ثابت، أم أنه يتغير فى أساليبه حسب تغير الحالة؟ هذا ما نود أن نحدثك عنه أيها القارئ العزيز فى المقال المقبل ان شاء الله.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:15 PM
صفات الشيطان في حروبه






يفيدنا جداً أن نعرف صفات الشيطان في حروبه معنا لكي ندرك كيف نواجهه. والمعروف عن الشيطان الصفات الاتية:-


?? الشيطان صاحب قتال لا يهدأ. وهوايته إسقاط الآخرين. وهو في قتاله لا يمل ولا يستريح. إنه ماهر، باستمرار يرقب حالة ضحاياه ويلقي بذاره في كل مكان. وحتى إن كانت حروبه تنتهي أخيراً إلى هزيمته، ولكنه لا يستطيع أن يبطل الحرب لأنها صارت جزءً من طبيعته.


?? والشيطان قوي ودلائل قوته إنه أستطاع أن يضل العالم كله أيام الطوفان، ولم تنجو من ضلاله سوي أسرة واحدة هي أسرة أبينا نوح.


ونفس الوضع نقوله عن مدينة سدوم أيام لوط البار، التي ألقاها في الشذوذ الجنسي حتي استحقت عقوبة الله.


?? وقوة الشيطان تظهر أيضاً في إلقائه العالم كله في الوثنية في العهد القديم ماعدا شعباً واحداً حدث إنه وقع في الوثنية أيضاً، فكثير من ملوك يهوذا واسرائيل وقعوا في عبادة الأصنام وأخطأ معهم الشعب. كذلك أوقع العالم في تعدد الألهة في كثير من البلدان. ومن أمثلة قوته إنه صرع أناس كثيرين، قيل إنه كانت عليهم أرواح نجسة.


ولكن ليس معنى الحديث عن قوة الشيطان أن نخاف منه!! كلا. فإن كان الشيطان قوياً، فإن قوة الله أعظم وأعظم وهو ينقذ الناس من قوة الشيطان. وآباء عديدون قد غلبوا الشيطان وكان يخاف منهم.


?? والشيطان خبير بالحروب وخبير بالبشر. تصوروا أن الشيطان كان يحارب الإنسان منذ أكثر من سبعة الآف سنة منذ الإنسان الأول. فأى خبرة تكون له في حربه مع البشرية. لاشك إنه أقدر مخلوق على فهم النفس البشرية وطريقة محاربتها. ويعرف نواحي القوة والضعف فيها، ويعرف الأسلوب الذى يمكنه أن يحاربها به.


إن أكبر عالم نفساني، وأكبر محلل نفساني، هو الشيطان. علم النفس عنده ليس مجرد نظريات، إنما هو خبرات، على المستوى العملى والعلمي أيضاً. وبنطاق واسع جداً شمل البشرية كلها. كذلك هو يعرف متى يحارب وكيف يحارب ومتى ينتظر! ومن أى الأبواب يدخل إلى الفكر أو إلى القلب.


?? والشيطان ذكى وحكيم في الشر. وحكمة الشيطان كلها خبث ومكر وحيله. ومن مظاهر ذكاء الشيطان إنه قد يغير خططه وأساليبه لتوافق الظروف. فهو يسبك حيله بطريقة ذكية لا يشعر بها الإنسان المحارب منه، أو أنه يقدم الخطية في أسلوب فضيلة.


?? ومن صفات الشيطان أنه كذاب فلا يجوز أن نصدق كل ما يقوله الشيطان ولا ننخدع به، مهما قدم في حيله من إغراءات. وهو يعلن كذبه في الأحلام والرؤي الكاذبة. ومن أمثلة ذلك إنه ظهر مرة لراهب متوحد وقال له أنا الملاك ميخائيل أرسلني الله إليك. فأجابه الراهب " في اتضاع إنني إنسان خاطئ لا استحق أن يظهر له ملاك. فلعلك إُرسلت إلي غيري وأخطأت الطريق ". فمضي الشيطان عنه وظهر كذبه.


ولعل من كذب الشيطان أيضاً ما يقوله على أفواه المنجمين ومن يدعون معرفة الغيب، كمن يقرأ الكف، أو يضرب الرمل، أو يقرأ فنجان القهوة أو يدعي معرفة البخت والطالع بأنواع وطرق شتي. وواضح لاهوتياً أنه لا يعرف الغيب سوى الله وحده.


?? وإغراءات الشيطان كلها أكاذيب حيث يصور للإنسان سعادة تأتيه من وراء الخطية فإذا سقط الشخص يجد أن كل إغراءات الشيطان هى سراب زائل.


كذلك أحلام اليقظة التى يقدمها لضحاياه كلها أكاذيب.


ومن أكاذيب الشيطان إيهام المنتحر أن الموت سوف يريحه من متاعبه. وأنه لا حل لمشاكله سوى الموت حيث يتخلص من كل متاعبه ويستريح. فإذا صدَّق من ينتحر يجد نفسه في الجحيم وليس في راحة.


?? وتقريباً في غالبية الخطايا يضع الشيطان أكاذيبه. فهو يوحي للسارق بأنه ليس أحد يكشف سرقته، وكذلك يوحي للمرتشي والمهرب والغشاش. وهو يوحى للقاتل بأن المقتول يستحق القتل، أو أن القتل غسل للعار الذى يلوث الشرف. بل لعل الإلحاد هو أكثر أكذوبة قدمها الشيطان للبشرية.


?? والشيطان أيضاً لحوح، لا يمل من الالحاح. وربما ما يعرضه من فكر خاطئ يظل يعرضه مرات عديدة مهما رفض الناس، وربما من كثرة ضغطه والحاحه، يستسلم الإنسان له ويخضع.


والشيطان في الحاحه لا ييأس من الفشل أبداً بل يعود. وهو في الحاحه لا يعترف بالعقابات، ولا يهمه مراكز الناس ولا روحياتهم بل يضرب ضربته ويحدث ما يحدث. وربما الذى لا يهلك بسمومه اليوم، قد يهلك بها غداً أو بعد سنين أو أكثر. إنه مثابر نشيط دائب على العمل.


?? والشيطان كثير المواهب. فهو يعرف الموسيقى والفن والنحت والرسم والشعر والأغاني. ويمكنه أن يلهم المشتغلين بالملاهي كل ما يحتاجونه في فنونهم لإغراء الناس واسقاطهم.


?? وهو قاسٍ. يسقط الناس بلا رحمة، وتظهر قسوته أحياناً في محاربة البعض بالمناظر المخيفة. وأيضاً في قسوته على من يصرعهم. وهو قاسٍ فيما يثيره على العالم من حروب وويلات وجرائم. ويفرح بكل ويلات العالم ويحسب ذلك انتصاراً له. وهو يبث الخصومات والإنشقاقات ويفرح بالتخريب.


?? وهو خبيث في تظاهره بالعطف. وفي ذلك يبرر لك الخطأ حتي لا يتعبك ضميرك. وكل أخطائك يقدم لها من العديد من الاعذار والتبريرات وينصحك قائلاً " لا تقل على كل شئ إنه خطأ، ولا تبالغ في تبكيت نفسك لئلاً يقودك هذا إلى الوسوسه ". حقا إن ما فعلته خطأ، ولكنك لم تقصد ونيتك طيبة، والله ينظر إلى النيات وماذا كان بإمكانك أن تفعل!! الظروف كانت ضاغطة. وهو يعطف عليك حينما تصوم ويدعوك إلى الأكل حرصاً على صحتك وهو لا يلومك على التدخين واضرارك الصحية. إن عطف الشيطان ليس حبا وإنما هو حيلة للإسقاط.


?? الشيطان أيضاً حسود ونهاذ للفرص. ومن أمثلة ذلك إنه حسد يوسف الصديق على ما رأه من رؤى، ونقل الحسد إلى قلوب اخوته. وهو يحسد كل إنسان في حياة الفضيلة فيحرمه منها.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:16 PM
من حيل الشياطين


ما أكثر حيل الشياطين: إنها لا تنتهي. إن لم تصلح حيلة منها، يستبدلها بغيرها، إلى أن يصل إلى غرضه. وليست هناك خطة واحدة أمامه لتوصله. بل يتخذ لكل حالة ما يراه مناسباً لها، دون أن يتقيد بشئ. على أنه من أشهر حيله الواضحة المتكررة، بضعة أساليب صارت معروفة ومحفوظة، نذكر منها.

1- خطية تلبس ثوب فضيلة:

ما أسهل أن يقدم لك الشيطان بعض الخطايا بأسماء غير أسمائها، بأسلوب يسهل قبوله، بحيث تلبس ثياب فضائل:

فالدهاء أو الخبث يطلق عليه اسم الذكاء

ويقدّم القسوة في معاملة الأبناء، باسم الحرص على تأديبهم. بحيث إن لم يستخدم الأب القسوة، ضميره يؤبخه.

والتبرج، والتزين غير اللائق، يقدمها باسم الأناقة والنظافة. والتهكم على الناس والأستهزاء بهم، يقدّمه على أنه لطف وظرف، ومحبة ودالة، وخفة روح، ومحاولة للترفيه

?? إن الشيطان لا يقدم الخطية مكشوفة لئلاً يرفضها الإنسان الحريص ? بل يقدمها باسم مقبول، وهى هى، ولا فرق.

يقول إننى سأدخل مع هذا الشخص فى حرب مسميات، وأسقطه كما أريد، ربما دون أن يشعر، أو قد يشعر، وضميره لا يبكته. فلو أننى دعوته إلى الرياء ? بهذا الإسم المنفر ? فلن يقبله. اذن ماذا أفعل؟ أسميه عدم إعثار الآخرين، أو القدوة الحسنة.

?? قال السيد المسيح: " تأتى ساعة، يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم قرباناً لله ". ويقيناً إن الشيطان يقدم القتل إلى أولئك الناس، على أنه غيره مقدسة، أو دفاع عن الدين، أو تطهير للأرض من الخطاة.

?? والكذب يمكن أن يقدمه الشيطان تحت اسم الحكمة. أو كنوع من حسن التصرف، أو انقاذ للموقف! والطبيب قد يكذب على المريض في تسمية نوع مرضه. ويعتبر هذا أمام ضميره، أنه حفظ لمعنويات المريض، وحمايته من الإنهيار، لكى يُشفى. والبعض يسمى بعض أنواع الكذب الأبيض! وما أشهر ما يسمونها ( كذبة ) ابريل، كنوع من الدعاية أو الفكهاهة!.

?? وبهذا الشكل ما أسهل أن يسمى الشيطان الرقص المعثر باسم الفن. وكذلك الصور العارية والماجنة هى أيضاً فن. وبالمثل التماثيل العارية أيضاً، وبعض التمثيليات التى يقولون عنها " للرجال فقط "! وتحت اسم الفن يخفى الشيطان كثيراً من الخطايا والمعثرات التى لا تستحق اسم الفن. فالفن الحقيقى له اسم جميل ومحترم.

?? إلباس الخطية ثوب الفضيلة هو حيلة ماكرة من الشيطان. أتراه يدعو البخل بخلاً؟! ما كان أحد اذن يقبله. ولكنه يسميه "حسن تدبير المال" أو "حفظ المال لحاجة المستقبل". أو يسميه عدم التبذير أو عدم الإسراف!!

واذا أراد الشيطان أن يمنع غنياً من أن يدفع للفقراء، يقول له: ليس من الخير أن تعلمهم الشحاذه، أو تعوّدهم على التشرد والتواكل. إن عدم إعطائهم هو حكمة وعين الحكمة. لكى يبحثوا عن عمل، ويأكلوا خبزهم بعرق جبينهم حسب الوصية!.

?? إن إعطاء الخطية اسم فضيلة، يشجع الناس على الاستمرار فيها، ولا يبكتهم ضميرهم على ما يفعلون. احترس اذن من المسميات الخاطئة، ولا تسمح للشيطان أن يخدعك. فإن الخطية هى خطية، مهما اختفت وراء اسم آخر...

****

2- من حيل الشيطان أيضاً: الأمور الصغيرة:

إن الخطايا الكبيرة الواضحة الدنس، يحترس منها الإنسان الحريص على نقاوته، ويفرّ منها: لذلك فالشيطان يؤجل محاربته بها، ما دام هو منتبهاً لها. أما الأمور الصغيرة، فيحاربه بها، لأنه لا يحترس منها، ولا يهتم بها... ويظن أن مثل هذه الأمور الصغيرة، إنما تحارب المبتدئين والصغار. ويقول: " أما نحن قد كبرنا عن أمثال هذه الأمور ". لهذا يحاربه الشيطان بها...

?? فما هى هذه الأمور الصغيرة ؟ وما أمثلتها؟

ربما تكون مثل تمسك الإنسان برأيه، وقد يكون خاطئاً! ومع ذلك لا يستشير أحداً. وقد يقول له الشيطان: " وماذا فى ذلك؟ أى خطأ فيه ؟! وهل لابد أن تستشير؟ وهل عقلك لا يكفى؟ وما أعظم عقلك! ". وهكذا يسلك حسب هواه ويسقط...

وقد تكون الأمور الصغيرة مثل التساهل قليلاً مع الحواس والقراءات والسماعات، ظاناً انها لا تأثير لها عليه! بينما قد يضره ذلك. وما تجلبه الحواس ينغرس في عقله الواعى وفي عقله الباطن، وتكون له ثماره الخطيرة، ولو بعد حين..

?? إن الأمور الصغيرة قد لا تكون صغيرة فعلاً، بل الشيطان يسميها هكذا. وربما توصل إلى أخطر النتائج...

إن الإنسان ينظر إلى الزنى والسرقة والكذب وما أشبه، على أنها من الكبائر. ولكنه لا ينظر بنفس الاعتبار إلى خطايا الفكر أو خطايا اللسان، ويعتبرها من الأمور الصغيرة، وهى ليست كذلك ? وربما يهلك نتيجة لعدم حرصه فى الكلام. وتؤخذ لفظه عليه مما يقوله، وتكبر وتصير جريمة قذف. كما أن فكره ? الذى يستهين به ? قد يتحول إلى شهوة تؤدى به إلى السقوط...

?? حقاً أن شيطان الأمور الصغيرة يمكن أن يهلك الإنسان. فيمكن أن تغرق سفينة كبيرة، بسبب ثقب صغير فى قاعها. والإنسان لا يكون موته فقط بواسطة وحش كبير يفترسه، إنما يكفى لموته ميكروب صغير لا يُرى بالعين المجردة...!

وأبشع العلاقات بين فتى وفتاة، قد تبدأ بعلاقة بريئة جداً. ولكنها ? مع التساهل والدالة ? تتطور إلى ما هو اسوأ وأخطر، حتى تنتهى بخطية كبيرة.

?? وعوامل النصب والإحتيال، قد تبدأ بأمور بسيطة مثل الثقة مع الطرف الآخر، وفى ظل هذه الثقة، التوقيع على أوراق بدون حرص أو شكِِ في النوايا. وينتهى الأمر أخيراً بكارثة اقتصادية، سببها تلك الأمور التى تبدو صغيرة.

وقد تبدأ الكارثة الاقتصادية بأمور أخرى صغيرة، أو تبدو أيضاً صغيرة، مثل ضمانك لإنسان صديق لك، وتوقيعك على ذلك. ثم يسافر ذلك الصديق إلى الخارج ولا يعود. وتُطالب أنت بكل ما عليه من ديون أو مستحقات مالية...

?? إن الخلاص من شيطان الأمور الصغيرة، يحتاج بالضرورة إلى حياة التدقيق والحرص، لئلاً تتحول تلك الأمور إلى كبائر تهدد حياتك الروحية، وحياتك العملية أيضاً.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:16 PM
تخصُّصات في العمل الشيطاني

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام


كما أنه توجد في العِلم تخصُّصات، هكذا أيضاً في أعمال الشياطين تخصُّصات متعدِّدة يتقنها أخصائيون من الشياطين، لهم بها معرفة وخبرة .. نذكر من بينها:

(1) شيطان مُتخصِّص في التخدير: ذلك أنه حينما يكون الإنسان متيقظاً ومتنبهاً لخلاص نفسه، صاحياً عقلاً وروحاً، فإنه من الصعب أن يسقط. وهكذا قال أحد الآباء إن الخطية يسبقها إمَّا الشهوة أو الغفلة أو النسيان. فهذه الحالة الأخيرة، حالة الغفلة والنسيان، هى تخدير من الشيطان للإنسان.

?? بالتخدير ينساق الشخص إلى الخطية، كأنه ليس في وعيه. يخدِّره الشيطان بحيث ينسى كل شيء، ما عدا الخطية. فتكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره مُركَّزة في الخطية وحدها. وأمَّا كل ما عداها فلا يحسّ به الإنسان إطلاقاً، كأنه قد نسيه تماماً!

?? ينسى علاقته باللَّه. وينسى كل وصايا اللَّه. وينسى مبادئه واحتراسه. وينسى وعوده للَّه وتعهداته. وينسى نقاوة قلبه. وينسى أيضاً نتائج الخطية عليه وعلى غيره وينسى عقوبات اللَّه وإنذاراته. ويكون كأنه مخدَّر تماماً، لا يعرف إلاَّ الخطية. ولا يفيق إلاَّ بعد السقوط، حينما يكون كل شيء قد انتهى!!

?? وقد يفيق الإنسان بعد الخطية مباشرة، ورُبَّما بعد مدة طويلة. فيهوذا مثلاً لم يفق إلاَّ بعد فوات الفرصة ...

وهناك مَن يفيق من تخديره فيتوب. وهناك مَن يفيق، فيُصاب بصغر نفس أو قد ييأس..

لذلك هناك نصيحتان أقدمهما لك، إذا خدَّرك الشيطان:

الأولى: أن تفيق بسرعة. وهذا لا يتوفَّر إلاَّ إذا كان قلبك من الأصل محباً للفضيلة. واحذر من أن تستمر مُخدَّراً بالخطية إلى أن تصبح عادةً! أو أن تصحو من تخديرك بعد أن تكون قد وصلت إلى نتائج سيئة جداً ...

والنصيحة الثانية: هى أنك حينما تفيق، إنما تفيق إلى توبة حقيقية وسريعة، وليس إلى يأس أو صِغر نفس. واستخدم الندم وإنسحاق القلب لنفعك الروحي.

(2) شيطان الخجل: إنَّ الخجل يكون فضيلة إذ أحسن الإنسان استخدامه. ولكن الشيطان كثيراً ما يستخدمه بطريقة تساعد على السقوط.

?? كإنسان كان جالساً وسط أُناس، وبدأوا يتكلَّمون كلاماً رديئاً من الناحية الأخلاقية، أو يتحدَّثون بالسوء في سيرة شخص ما له مكانته ويشهِّرون به، أو يسردون قصصاً غير لائقة.. وهذا الإنسان الجالس بينهم لم يكن يتوقَّع كل هذا. فيُفكِّر أن يتركهم وينسحب. ولكن شيطان الخجل يمنعه ويستمر في البقاء. أو أنه يُفكِّر أن يقول لهم: " هذا الحديث لا يليق ". ولكن شيطان الخجل يمنعه. فيستمر جالساً يستمع. ويمتلئ عقله بأفكار ما كان يجب أن تجول بذهنه.

?? وأحياناً أخرى يدفعه شيطان الخجل أن يوقِّع على تزكية لا يوافق عليها ضميره. وذلك خجلاً من الشخص المُزكَّى!

أو يوقِّع على بيان أو قرار، هو في أعماق غير راضٍ عنه! أو يشترك في مدح إنسان لا يستحق ذلك .. وإن حاول أن يمتنع عن كل ذلك، يدفعه شيطان الخجل!

?? وقد يجعل الشيطان فتاة أن تخجل من ملابسها المحتشمة، بحجة أن التيار العام ضد ذلك!

وبالمثل قد يجعل شاباً متديناً أن يرفض سيجارة يُقدِّمها إليه زميل أو أستاذ له، بحجة عدم جرح شعوره!

وكم من خطايا يقع فيها الإنسان بسبب شيطان الخجل...!

?? والمفروض أن يرفض المتدينون هذا الخجل، أو يجدون سبباً يبعدون به عن الإحراج بلباقة. أو أن يكون الشاب المتدين قوي الشخصية يستطيع أن يدافع عن موقفه الروحي بإقناع الآخرين. أو على الأقل يبعد تماماً عن الصحبة أو المناسبات التي تُعرِّضه لشيطان الخجل.

والعجيب أن الروحيين يخجلون أحياناً من تدينهم، بينما تكون للخاطئين جرأة وجسارة في التباهي بأخطائهم.

(3) شيطان الوقت الضائع: الذي يضيع وقته في تفاهات، بلا أدنى فائدة روحية أو عقلية
أو صحية، وبلا فائدة للآخرين.

لا يهم الشيطان أن ترتكب خطية في هذا الوقت، بل يكفيه أن هذا الوقت يضيع بينما هو جزء من عمرك!

?? والأمثلة كثيرة لهذا الوقت الضائع، ومنها: أحاديث قد تطول بالساعات في موضوعات لا فائدة لك منها، وتكون بلا حجة. ومجادلات ومناقشات لا جدوى منها سوى تعب الأعصاب وضياع الوقت. وزيارات وسهرات وترفيهات زائدة عن الحد. ومسليات تأخذ كل الوقت، وتعطل إيجابيات هامة في حياتك مثل جلوس البعض في المقاهي، والكلام وقتل الوقت .. وطبيعي أن الذي يقبل ضياع وقته، تكون حياته رخيصة في عينيه ..

(4) شيطان التأجيل: إنَّ الشيطان يريد بكل جهده أن يمنعك من كل أعمال البِرّ. فإن وجدك مقدماً على عمل فضيلة مُعيَّنة، لا يمنعك عنها صراحة لئلا يكشف نفسه، وإنما يدعوك إلى التأجيل.

?? يقول لك: لماذا الإسراع؟ الأمر في يدنا نستطيع أن نعمله في أي وقت. رُبَّما التريث يعطينا فرصة لفحص الأمر بطريقة أعمق، أو لإختيار أسهل السُّبُل للوصول إليه، أو يعطينا مزيداً من الاقتناع ... على أيَّة الحالات عندنا بعض أمور هامة حالياً، ما أن ننتهي منها، حتى نقوم بعمل هذا البِرّ ...

?? والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل، أو إضاعة الفرصة، أو ترك الموضوع فرصة لعلك تنساه، أو يحدث ما يُغطِّي عليه. كأن تأتيك مشغولية كبيرة تأخذ كل اهتمامك ووقتك، أو يحدث حادث يُعطِّلك، أو تبدو عوائق مُعيَّنة تُعرقل التنفيذ، أو يلقي الشيطان في طريقك بخطية تقترفها، فتفتر حرارتك الروحية، فلا تنفذ ما كنت تنوي عمله من أعمال
البِرّ.

?? يا أخي، رُبَّما هى إحدى زيارات النعمة تدعوك. فإن أنت أجَّلت العمل، ضاع تأثيرها. إن الفرصة حالياً في يدك، فاعمل ما تريده من الخير، ولا تؤجِّل. لأنَّ التأجيل قد يكون خطوة إلى الإلغاء، يعرضها الشيطان بلباقة منه.

?? إن كنت مقبلاً على عمل من أعمال الرحمة، استمع إذن إلى قول سليمان الحكيم:
" لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك: إرجع فأعطيك غداً، وموجود عندك ".

كذلك إن دعاك صوت في داخلك أن تتوب، فلا تؤجِّل التوبة، لعلك لا تجد ما يدفعك إليها فيما بعد.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:17 PM
حِيَل أُخرى للشيطان

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



?? الإغراءات:

منذ البدء والشيطان يُقدِّم ألواناً من الإغراءات، ليُسقِط بها ضحاياه من البشر. إنه يجس نبض الإنسان، لكي يكتشف هل يضعف أمام إغراء مُعيَّن أم لا؟ فإن وجده لا يهتم بهذا الإغراء ولا يتأثر، يُجرِّب معه إغراء آخر ... وبخبرة الشيطان مع الناس، يحرص أن ينتقي لكل منهم ما يناسبه.

?? وإغراءات الشيطان لا تُسقِط إلاَّ قلباً يميل إليها، أو يمكن أن يميل إذا استمر الوقت.
أمَّا القلب القوي، فإنه يرفض تلك الإغراءات ولا يعبأ بها. الشيطان يعرض، ولكنه لا يُرغِم. وتتوقف النتيجة على القلب: هل يستجيب للإغراء أم لا يستجيب؟ ...

?? وهو يغري الجسد بالشهوة أو المتعة أو اللذة. كما يغري النفس بالسُّلطة أو الشهرة،
أو التفوق على الآخرين، أو العظمة بكافة أنواعها، أو إشباع الذات حسبما ترى.
يغري الرجال بالنساء، ويغري المرأة بنوع مُعيَّن من الرجال ... ويغري الضعيف بالقوة، ويغري القوي بالتشامخ والفخر. ولا يترك أحداً بدون إغراء ...

?? والشيطان يحاول أن يُقدِّم إغراءاته مؤثِّرة وقوية. فإن وجد شخصاً قد عزم على التوبة بكل إصرار وحزم، يُقدِّم له خطية كان يشتهيها منذ زمن، ويبحث عنها فلا يجدها. فيضعها أمامه فجأةً وهى تسعى إليه! ويغريه بها فيسقط. إذ يقول له: إنها فرصة أمامك لا تُعوَّض.
فلا تترك هذه الفرصة تمر، ويمكن أن تتوب بعدها! التوبة أمامك في أي وقت. ولكن مثل
هذه الخطية ليست متاحة في كل وقت! وهكذا يجد المسكين نفسه أضعف من الإغراء، فيسقط. إن الشيطان يعرف بخبرته أين يوجد الجرح الذي يضغط عليه فيؤلم ...



?? هناك حيلة أخرى للشيطان هى الانقياد للتيار:

يقول لك: الكل هنا يفعل هكذا، فهل تشذ أنت، ويكون لك أسلوب خاص يغايرهم؟!
تقول إنك تتبع الحق، ولو كان ضد تصرُّف الكل. ولكن هذا سيجعل الكل ضدك، لأنك بهذا تكشفهم وتحرجهم ... فهل تستطيع أن تسبح عكس التيار؟! ستقول كما قال الشاعر:

سأطيع اللَّه حتى .. لو أطعتُ اللَّه وحدي

?? لكن الجميع لا يستطيعون مثل هذا الصمود. فشيطان الإنقياد للتيار السائد يدفع إلى هذا التيار بطُرق شتَّى: أحياناً يجعل البعض يسيرون في نفس التيار من باب المُجاملة، أو بدافع الخجل أو الخوف من مواجهة الآخرين، أو تفادياً لتهكُّم الناس وتعييرهم، أو نتيجة لضغط الظروف الخارجة والإلحاح الواقع عليهم. أو خضوعاً لسُلطة أقوى ... أو يقول له الشيطان: دع هذه المرَّة تمرّ، ولن تتكرَّر. ثم تتكرَّر طبعاً. أو يُبكِّته الشيطان قائلاً: ما هذا الكبرياء؟!
هل من المعقول أن يكون كل الناس مخطئين، وأنت الوحيد الذي على حق؟! ... أو يقول له الشيطان في خبث: كَبّر عقلك، ومَشِّي أمورك. ماذا تنتفع إن خسرت الكل؟!

?? وقد يخضع الإنسان للتيار السائد نتيجة لضعف شخصيته ... إمَّا أنه لا يقدر على المقاومة. أو أنه يُقاوم قليلاً، ولا يَثبُت. أو أن صديقاً له تأثير عليه، يقول له: " ليس من الحكمة أن نبدأ بمقاومة التيار. والأفضل أن نجاريهم فترة، ثم بعد ذلك نقاوِم "! على أننا
لا ندري إلى أي مدىً تمتد هذه الفترة ...

?? إن الإنقياد للتيار لا يجرف إلاَّ الضعفاء. أمَّا الشجعان أو أصحاب المبادئ والقيم،
فإنهم يثبتون على مبادئهم مهما احتملوا في سبيل ذلك. وبثباتهم يقدمون قدوة صالحة لغيرهم. وربما يصيرون أمثلة يذكرها التاريخ. إنهم يرفضون الخطأ حتى إن رأوا كباراً يسيرون فيه، أو وقعت فيه الغالبية! فكل ذلك لا يمكن أن يجعل الخطأ صواباً.



?? وسيلة أخرى من وسائل الشيطان هى العُنف:

والمعروف أن العنف هو ضد الوداعة والهدوء، وضد الاتضاع أيضاً. وهو لون أيضاً من قساوة القلب ... ومن الكبرياء ..

والشيطان لا يغري الخطاة فقط بالعنف، إنما يغري كذلك المتدينين والروحيين.
ولذلك ما أكثر ما نرى المتدين عنيفاً، يواجه بالعنف كل ما يراه خطأً ... وبينما نرى اللَّه
ـ تبارك اسمه ـ يصبر على الخاطئين ويدربهم في حكمة وهدوء على الطريق السليم،
فإن المتدين العنيف لا يسلك هكذا ...

?? والبِرّ لا يأتي بطريق العنف، ولا بإرغام الغير على السلوك فيه. إنما يأتي باقتناع العقل ورضى القلب. فيصير الإنسان باراً، بقلب نقي. يعمل الخير حُباً في الخير، لا مُرغماً عليه. ومن الواضح أن ضغط المتدينين العنفاء، لا يوجد براً حقيقياً. بل قد يؤدي إلى مظهرية دينية، لا علاقة لها بنقاوة القلب من الداخل. وحتى هذه المظهرية قد لا تستمر. بل تزول بزوال الضغط.

?? عجيب أن شيطان العنف، يدخل في مجال التدين، كما يدخل في مجالات الخطية.
لأنه بمكره لا يجعله تديناً حقيقياً ... أمَّا أنت يا أخي، إن أردت أن تجذب الناس إلى التدين، إجعلهم يحبون البِرّ والفضيلة، ويجدون فيها متعةً، دون أن يكونوا مكرهين على ذلك بأسلوب العُنف.



?? من حروب الشياطين أيضاً، حرب اليأس:

والشيطان يلجأ إلى محاربة الإنسان باليأس، بعد مقدمات طويلة تمهيدية، يُشعره بها،
أنه لم يعد له خلاص من الخطية، وأنه قد تشبَّع بها تماماً بالإثم، بحيث لا يمكن أن يتوب. فيرى أنه ليس فقط لا قدرة له على التوبة، بل بالأكثر لا رغبة له في التوبة.

?? يحدث هذا أحياناً بعد سقطة كبيرة، يظن فيها الخاطئ أنه لا مغفرة! وأنه لا حَلّ للقيام من سقطته!

وقد لا تكون السقطة بهذه الدرجة، ولكن الشيطان من عادته أن يضخِّم في الأخطاء ليوقع صاحبها في اليأس..

إنه ماكر جداً. فهو قبل إسقاط الإنسان، يُسهِّل في موضوع الخطية جداً حتى تبدو شيئاً عادياً، ويضع لها مبرِّرات ... أمَّا بعد السقوط: فإمَّا أن يستمر في سياسة التهوين لكي يتكرَّر السقوط. وإمَّا أن يلجأ إلى التهويل، فيقول للخاطئ: هل من المعقول أن يغفر لك الرب كل هذا الذي فعلته، وكل هذا المستوى الذي هبطت إليه؟! وعبثاً يمكنك أن تتوب!.

?? وقد يلقي الإنسان في اليأس ـ لا من جهة خطايا قد وقع فيها ـ إنما من جهة مشاكل
تبدو مُعقَّدة جداً أمامه، وليس لها من حَلٍّ ... بينما اللَّه قادر أن يَحِلّ كل المشاكل بحنانه الذي لا يُحدّ، وإشفاقه على مَن يلجأ إليه...

إنَّ الإنسان القوي القلب، والعميق في إيمانه، لا يمكن أن يعرف اليأس إليه طريقاً.
بل مهما كان الجو مظلماً جداً، فإن الرجاء يفتح أمامه طاقات من نور...

حبيب البابا
04-09-2009, 08:18 PM
الشكوك: أنواعها وعلاجها

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



الشكّ حالة يكون فيها الإنسان مُزعزعاً قلقاً، لا يدري في أي طريق يسير. هو في حالة من عدم وضوح الرؤيا، يفقد فيها سلامه الداخلي، ويكون مُضطرباً في نفسه وفكره،
فاقداً للثقة. وهكذا يصير الشكّ جحيماً للفكر والقلب معاً.

?? أحياناً يكون دخول الشكّ سهلاً. ولكن خروجه يكون صعباً جداً. وقد يترك أثراً مخفياً، ما يلبث أن يظهر بعد حين .. وإذا استمر الشك، ما أسهل أن يتحوَّل إلى مرض وإلى عُقد لها نتائجها. فيُقال إن هذا الشخص شكَّاك، أي أن الشكَّ صار طبعاً له.

?? وهذا الشكَّ ـ إذا استمر ـ فإنه يتلف الأعصاب، ويدعو إلى الحيرة وارتباك الفكر.
وفي عنف الشكّ، يمنع النوم، ومن نتائجه أيضاً، أنه يؤدي إلى التَّردُّد وعدم القدرة على البتِّ في الأمور.

?? والشكّ على أنواع كثيرة: منها الشكّ في اللَّه وفي العقيدة، والشكّ في الناس وفي الأصدقاء والأقارب، وأحياناً الشكّ في بعض الفضائل والقيم. بل الشكّ في النفس أيضاً،
وفي إمكانية التوبة وفي قبول اللَّه لها. وما أكثر تفرعات الشك ومجالاته. وسنحاول في هذا المقال أن نتعرَّض ولو بإيجاز لكل ذلك ...

?? فمن جهة الشكّ في اللَّه جلّ جلاله يكون ذلك على نوعين: إمَّا في وجود اللَّه، وإمَّا في مدى معونته لنا. والشكّ في وجود اللَّه، أي الإلحاد، فهو إمَّا محاربة من الشيطان، يحاول أن يزعج بها فكر المؤمن بينما القلب يرفضها بشدة. فلا يجوز للإنسان أن يتعامل مع هذا الفكر ولا أن يضطرب بسببه. والاثباتات على وجود اللَّه كثيرة ...

?? وقد يكون السبب في هذا الشكّ قراءة كتب الملحدين أو معاشرتهم والاختلاط بأفكارهم، أو يأتي ذلك من بحوث منحرفة في الفلسفة، أو في العلاقة بين الدين والعلم، وأصل الكون ونشأته. بينما لا خلاف بين الدين والعلم. فإن عرض البعض خلافاً: فإمَّا أن يكون سببه خطأً فيما يسمونه علماً، أو فهم خاطئ للدين.

?? وقد يكون الشكّ هو في مدى معونة اللَّه وحفظه، كأن يقول شخص: " لقد صلَّيت من أجل أمر مُعيَّن مرَّات عديدة بلا نتيجة. فما قيمة الصلاة إذن وما نفعها؟! ". ويبدأ أن يشكّ في جدوى الصلاة. أو في مراحم اللَّه. بينما اللَّه سيستجيب في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. ويعطي الإنسان ما ينفعه وليس ما يطلبه. واللَّه بحكمته يعرف تماماً ما ينفعنا، ويمنحنا إيَّاه دون أن نطلب ...

?? إنَّ الشيطان يلقي بذاره من جهة الشكّ في اللَّه، لكي يجعلك تترك اللَّه، وتصبح فريسة في يديه هو. فعليك أن تبعد عن كل مصدر يبعدك عن اللَّه. أما الكتب التي تُشكِّكّ في وجود اللَّه أو معونته، فلا يصح أن يقرأها إلاَّ الثابت في الإيمان، القوي في عقيدته، الذي يستطيع أن يرد على ما فيها من إنحراف فكري ...

?? هناك نوع آخر من الشكّ هو الشكّ في بعض الأصدقاء والأحباء والأقارب. هؤلاء إن كانت تربطهم المحبة والثقة، فلن يعرف الشكّ إليهم سبيلاً. ولكن إن نقصت المحبة،
حينئذ تنقص الثقة. فيكون القلب مستعداً للشكِّ، والأذن مفتوحة لكلام الوشاة. وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

قد صادفوا أُذناً صغواء ليِّنةً .. فاسمعوها الذي لم يسمعوا أحداً

وعلاج هذا الأمر هو المواجهة والصراحة. على أن يكون ذلك في محبة وفي غير
إتهام أو قسوة. مع عدم التأثر بالسماعات والوشايات، وعدم تصديق كل ما يُقال. فكثيراً ما يكون الإتهام ظالماً، مهما كانت الدلالات واضحة. ولا يجوز الحُكم على أحد بدون الاستماع إليه.

?? وقد يحدث الشكّ أحياناً بين زوجين. فيشُكّ الزوج في أن زوجته تخونه، أو تشُكّ الزوجة في أن زوجها يخونها. وقد يكون سبب ذلك كلمة إعجاب بريئة أو إبتسامة.

وأحياناً يحدث الشكّ كرد فعل لوسائل الإعلام. فإن رأت الزوجة فيلماً فيه زوج خان زوجته وهو في سفر أو في غربة. ثم تصادف أن زوجها قال لها إنه سيسافر في مهمة لبضعة أشهر، حينئذ يحاربها الشكّ وتقول له: " لن تسافر وحدك. رِجلِي على رِجلَك. في سفري معك أكون حصناً لك يحميك من أيَّة امرأة تحاول اجتذابك إليها ".

?? إنَّ هذا الشكّ بين الزوجين، قد يكون سببه الغيرة الطائشة، أو عدم الثقة بالنفس.
فإنَّ الزوجة التي تثق بنفسها، لا تظن في يوم من الأيام أن هناك امرأة أكثر منها جاذبية يمكن أن تؤثِّر على زوجها.

?? هناك شكّ آخر يمكن أن يوقعه الشيطان في بعض الفضائل أو القيّم. كأن يُشكِّك إنساناً في التسامح، فيقول عنه إنه لون من ضعف الشخصية. أو أثناء الصوم يحاربه بالأكل إذا جاع. ويقول له: " ما لزوم الصوم؟! وهل الفضيلة الجسدية لها قيمة؟! إنَّ اللَّه يهمه الروح قبل كل شيء. ليكن قلبك مع اللَّه، وكُل ما تشاء!! ".

?? وقد يُشكِّك الإنسان في ما هو الحرام؟ وما هو الحلال؟ ويحاول أن يطبق هذه الحيلة
على السينما والتليفزيون وكل أنواع اللهو والموسيقى. ثم يتدرَّج إلى كل مال يصل إليه،
وهل فيه حرام أو شبه حرام، كفوائد البنوك مثلاً. ثم في حق اللَّه من ماله، وعلى أيَّة جهة من العطاء يجوز أو لا يجوز. وهكذا يحيا في شكٍّ وفي حيرة ...

?? الشكَّ أيضاً ما أكثر ما يتعب الإنسان في المراحل المصيرية. ففي فترة الخطوبة: مَن تفضل الفتاة: هل الشاب الجذاب الذي تحبه؟ أم الغني الذي يكفل لها كل وسائل الراحة؟
أم صاحب المنصب الكبير؟ أم الذكي جداً الممتاز في دراسته؟ أم الشاب الذي يحبها ويهواها؟ وتبقى في حالة شكّ. وفي كل ذلك، هل تقبل ما يفضله أبوها، أم ما يفضله قلبها؟ أم ما يفضله عقلها؟...

?? وشكّ المرحلة المصيرية قد يتناول نوع الدراسة التي يدرسها طالب بعد الثانوية العامة. بأيَّة كلية يلتحق؟ وأيَّة وظيفة تؤهلها؟ بل في الوظيفة بعد تخرجه: هل يفضّل العمل الحكومي أم العمل الحُر؟ وهكذا يتوه في شكوك تحتاج إلى بتٍّ، ورُبما إلى مشورة أيضاً من ذوي الخبرة. وإلاَّ يقع الشخص في دوامة من التَّردُّد.

وفي المراحل المصيرية عموماً، يحتاج الإنسان إلى ثبات في هدف سليم، وفي وسيلة تحققه، مع معرفة للنَّفس وقدراتها ...

?? ومن النواحي الخطيرة في الشكِّ، شكّ الإنسان في نفسه. إذ لا تكون له ثقة في نفسه
وفي قدرته. كالطالب الذي يشكّ في قدرته على النجاح، أو في كفاية الوقت الباقي له على الامتحان، لكي يدرس فيه المُقرَّر عليه. ومثال آخر شكّ إنسان يريد إقامة مشروع مُعيَّن،
وهل ينجح فيه أم يفشل؟ أو شكّ إنسان في نفسه: هل هو محبوب من الناس أم لا؟
وهل تصرفاته مقبولة أم غير مقبولة؟

?? إن الفاقدين الثقة في نفوسهم يحتاجون إلى تشجيع. وكما أن الأطفال يحتاجون إلى كلمات مديح أو تشجيع ليثبتوا في الطريق السليم، كذلك الكبار أيضاً، يحتاجون إلى كلمة طيبة،
وإلى رفع روحهم المعنوية وبخاصة إن كانوا في حالة مرض، أو في مشكلة أو ضيقة.
حتى لا يدركهم اليأس، أو أن يقول الواحد منهم: " لا فائدة ... قد ضعت!! ".

حبيب البابا
04-09-2009, 08:19 PM
طول البال

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



هذه الفضيلة يسمونها أيضاً طول الأناة، وطول الروح، وسعة الصدر، والحليم، وفى ذلك قيل عن موسى النبى " وكان الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ".

?? والهنا الصالح ? تبارك اسمه ? طويل الأناة، وينبع ذلك من عمق رحمته. ولولا طول أناته علينا ? مع كثرة اخطائنا ? لهلكنا جميعاً. إنها طول أناة الله تقتاد الناس إلى التوبة.

وبطول أناته صبر على عبدة الأصنام زماناً طويلاً، حتى رجعوا أخيراً إلى الإيمان وعبدوه. كما صبر على الشيوعيين الذين وقعوا فى الألحاد، وبعد سبعين سنة عادوا إلى الإيمان. كما أطال الله أناته على أوغسطينوس فى خطاياه، حتى تأب أخيراً وصار قديساً... وبالمثل أطال الرب أناته على فلاسفة الوثنية حتى آمن البعض منهم.

?? طول أناة الله تقود إلى التوبة أو إلى الدينونة أى العقاب. فلا تظن يا أخى القارئ العزيز، أذا أطال الرب أناته عليك فى كل أخطائك وخطاياك المتكررة أنك بعيد عن العدل الإلهى، إنما هى فرصة تُمنح لك لكى تغيّر مسلكك، وإلا...

?? كذلك اذا أحاطت بك التجارب والضيقات، ولم يسرع الله إلى معونتك، لا تظن أنه قد تخلّى عنك. كلا، بل هو بطول أناته يعدّ الوقت المناسب الذى يُبعد فيه كل ضيقة عنك. تأمل مثلاً قصة يوسف الصديق، وكيف طال به الزمن فى عديد من الضيقات. وأخيراً دبّر الله الفرصة المناسبة التى جعله فيها الرجل الثانى فى مصر، ورفع من شأنه جداً.

?? إن قصة يوسف الصديق هى درس لنا. لذلك أطل أنت أناتك فى كل ضيقاتك. وثق أن معونة الله لابد ستأتيك فى الوقت الذى يراه مناسباً. كما أن الله ? بطول أناته ? إنما يعطينا نحن أيضاً درساً فى الصبر وفى التعامل مع الناس...

?? قد يتضايق البعض من معاملات الناس له، ومن أسلوبهم الذى لا يحتمله، ويطلب إليهم أن يغيروا أسلوبهم فلا يغيرونه. وربما تطلب الزوجة هذا الطلب من زوجها فيظل كما هو...

ولكن علينا أن نعرف أن طباع الناس تحتاج إلى وقت لكى يمكنهم أن يغيروها، وليس من السهل عليهم أن يغيروا أسلوبهم بسرعة. والأمر يحتاج منا إلى طول بال. وبخاصة لو كان أسلوب الناس قد تحول إلى طباع فيهم. فالبعض منهم لا يشعر أنه على خطأ، ولا يريد أن يتغير. والبعض يريد ولا يستطيع.

?? كذلك فإن طول البال يحررنا من الغضب على الناس، ويعطى العقل فرصة أن يتدبر الأمر. وعموماً فالإنسان الطويل البال، هو إنسان بطئ الغضب.

?? نفس الوضع بالنسبة إلى التعليم والإرشاد، يحتاج ذلك أيضاً إلى طول بال مع التلميذ حتى يقبل الدرس، وحتى يتفهمه ويهضمه، ثم يغرسه فى ذاكرته، ثم لا ينساه. إن المدرس الضيق الصدر لا يمكنه أن يفيد تلاميذه. فبعضهم لا يفهم بسرعة، ويحتاج مدرسه إلى أن يطيل أناته عليه حتى يفهم، وحتى يحفظ. والمدارس تطيل أناتها على الراسبين أيضاً. فالذى لا ينجح من الدور الأول يعطونه فرصة فى الدور الثانى لكى ينجح ويعوض ما قد فشل فيه من قبل.

?? أتذكر أننى منذ ستين عاماً أخذت درساً روحياً فى طول البال من أحد تلاميذى. كان طالباً فى إحدى المدارس الأجنبية التى كنت مدرساً فيها. وقد طلب منى أن أعطيه درساً خاصاً فى مادة هو ضعيف فى استذكارها. فأعطيته الدرس الأول ومعه واجب كانت نتيجة إجابته صفراً. ثم أخذ الدرس الثانى ومعه أيضاً واجب ليحله، وبالمثل كانت نتيجته صفراً كسابقه. فتضايقت وقلت له " أنت بهذا الشكل لا يمكن أن تنفع ". فعاتبنى هذا التلميذ وقال لى " لماذا تثبط همتى، وأنا بذلت كل جهدى وتحسنت ؟! ". فتعجبت من كلامه وسألته أى تحسن هذا وقد أخذت صفرين متتالين ؟! فقال لى " فى الواجب الأول كانت لى 18 غلطة فأخذت صفراً . وفى الواجب الثانى كانت لى 12 غلطة فقط فأخذت صفراً. إنه بلا شك تحسن ولو أنه تحت الصفر، إذ قلّت الأخطاء. فبشئ من التشجيع يمكن أن أتحسن أكثر، وأصعد من تحت الصفر وآخذ درجة ".

ومن ذلك الحين، وحتى الآن، مازالت فى ذهنى عبارة " التحسن تحت الصفر ". فأطلت بالى على ذلك التلميذ الذى صار فيما بعد مهندساً كبيراً.

?? إننا نحتاج أيضاً أن نطيل بالنا على الأطفال حتى ينمو تفكيرهم، وينضج إدراكهم، فيتحولون من مرحلة اللهو إلى الجدية. ولا شك لابد أن يأخذ ذلك زمناً. وهكذا تخطئ الأم التى تضجر من تصرفات طفلها، فتنتهره أو تضربه على أخطاء هو لا يعرف أنها أخطاء. ومن المفروض أن تتصف بطول البال حتى يمكنها أن تتعامل مع الطفل بما يناسب عقليته ونفسيته فى تلك السن.

?? بالمثل الصبى فى الصناعة التى يتدرب عليها، يحتاج إلى طول بال، حتى يتقن تلك الصنعه. فقد يخطئ فى فترة التدريب مرة أو مرتين أو أكثر، وهذا شئ طبيعى. فلا يجوز لمعلمه أن ييأس منه. بل يطيل باله عليه، حتى يكمل تدريبه.

?? وبالمثل فى الارشاد الروحى: قد يبذل المرشد وقتاً وجهداً فى قيادة شخص إلى التوبة. ثم يلاحظ أنه لم يتب بعد، فيدركه اليأس منه. وهذا خطأ، لأن التوبة لا تأتى هكذا بسرعة. إذ توجد معوقات كثيرة من التعود السابق على الخطية، ومن شهوات القلب، ومن المحاربات الخارجية. والأمر يحتاج إلى طول بال من المرشد، ومداومة التشجيع.

?? إن يئس المرشد من إمكانية توبة الخاطئ، فسوف يتركه إلى الضياع والهلاك وهكذا إذا يئس الطبيب من علاج مريضه فسيتركه إلى الموت لا محالة. الأمر فى الحالين يحتاج إلى طول بال. وكثير من الأمراض تحتاج إلى صبر من المريض والطبيب حتى يتم الشفاء منها، أو على الأقل حتى تتحسن الحال ويمكن احتمالها...

?? فى مجال العمل أيضاً: اذا قام شخص بمشروع، ليس له أن ينتظر نجاح مشروعه من أول خطوة. بل عليه أن يطيل أناته حتى يُعرف مشروعه وينتشر، وتنفتح أمامه الأسواق، وتنتصر على المنافسات، ويدخل فى تجربة الربح والخسارة، ويستقر أخيراً.

?? إن طول البال يلزم فى كل المجالات: فى العلاقات السياسية والاجتماعية، وفى السياسة والاقتصاد، وفى الحصول على عمل. بل وفى الوصول إلى كما الديمقراطية. وكقاعدة عامة لا يمكن الوصول إلى الكمال من أول خطوة، إنما بالتدرج والصبر.

?? والإنسان الذى ليس له طول بال، ما أسهل أن يقع فى القلق والضجر والانزعاج، وتتعب نفسيته ويفقد سلامه الداخلى. وقد يصاب بالاندفاع والتسرع مما تكون له نتائج سيئة. وربما فى تسرعه يأخذ قرارات أو مواقف ارتجاليه أو عشوائية. وبعض اناس ليس لهم طول بال فى حل مشاكلهم، فيلجأون إلى السحرة والمشعوذين لعلهم يجدون عندهم حلاً.

حبيب البابا
04-09-2009, 08:19 PM
البشاشة http://www.copticforum.net/images/smilies/smile.gif

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام


البشاشة فضيلة اجتماعية مميزة. فالإنسان البشوش يسعد الناس ببشاشته، ويشركهم معه في فرحه أو في سلامه وهم يستبشرون به، إذ ينقلهم إلى نفس مشاعر البهجة التي له.

إنه يشيع السلام حوله. ويبعث الطمأنينة في قلوب الآخرين. وبشاشته تشع من نظرات عينيه، ومن ابتسامته، ومن ملامح وجهه، ومن أسلوب حديثه. إنه نفس مستريحة من الداخل، وقادرة على إراحة الغير. تُشعر مَن حولها بأنه لا يوجد ما يدعو إلى الكآبة، بل هناك فرح على الرغم من كل شيء.

?? الإنسان البشوش لا يسمح للمشاكل بأن تحصره داخلها. إنما يكسر دائرتها، ويفتح له باباً ليخرج منها.

إنه لا يعتمد على عقله وحده، إنما على الإيمان بالأكثر. أي الإيمان باللَّه الذي يحب البشر، ودائماً يعمل معهم خيراً. فإن كُنا لا نرى هذا الخير، فذلك قصور منا لا يمنع من وجود الخير أو من انتظار مجيئه.

?? الإنسان البشوش، حتى إن حاربته الأحزان من كل جانب، يقول لنفسه: " وما ذنب الناس في أن يروني عابس الوجه فيحزنوا؟! " لذلك فهو في نبل نفسه ـ إن أدركه الحزن ـ يحتفظ به لذاته وحده. ويقدم بشاشته للآخرين. فهو لا يشركهم في الحزن بل في الفرح ...

?? الإنسان البشوش ينتصر على المتاعب، ولا تنتصر المتاعب عليه ... إنه لا يقع في الحصر النفسي، ولا تكون نفسه عدوة له في داخله. وهنا يكون عقله صديقاً له، ودائماً يريحه. أمَّا الكئيب، فعقله يكون ألدّ أعدائه، لأنه يصوّر له متاعب، رُبَّما لا وجود لها. ودائماً يضخّم له ما يمكن أن تنتظره من مشاكل. ويغلق أمامه أبواب الحلول..! وإن أراد أن يخرج من بيته، يقول له: لا تنس المتاعب التي ستقابلك!

?? الإنسان البشوش حقاً، هو الذي يتمتع بالبشاشة الداخلية. فهو ليس فقط بشوشاً
في مظهره، من الخارج. بل البشاشة تملك أعماق قلبه وفكره، وتنبع من داخله. فلا يحمل همَّاً...

إذا أخطأ: فبدلاً من أن يفقد بشاشته، يعمل على إصلاح الخطأ. وحينئذ يعيش في سلام داخلي، وفي سلام مع اللَّه...

كثيرون إذا وقعوا في خطأ أو في مشكلة، يكون الرد الطبيعي عندهم هو الكآبة.
ولكن الكآبة ليست حلاً عملياً للمشاكل. أمَّا الشخص البشوش، فإنه يبحث عن الحل العملي الذي يتخلَّص به من المشكلة وينقذه من الكآبة. فإن وجد الحل، تزول المشكلة،
ويملكه الفرح.

?? أمَّا الكئيب: فإن المشكلة تستولي على كيانه كله. وبالأكثر عقله ومشاعره. فيظل
يُفكِّر في المشكلة وأعماقها وأبعادها، وكيف حدثت، وما يتوقعه من نتائج سوداء لها ...
فيزداد كآبة، ولا يُفكِّر مطلقاً في حل المشكلة. وإن فكَّر في حلٍّ، فإنه يستصعبه ويضع
أمامه العقبات ... أو يتخيل أنه لا حلّ..! وهنا تشمل الكآبة كل تفكيره. فلا يبصر
الحل وهوموجود! وهكذا يستمر في كآبته، بل تزداد تلك الكآبة. ولا يستطيع أن يكون بشوشاً...

?? الإنسان البشوش إن لم يجد حلاًّ لمشاكله، يتركها إلى اللَّه، وينساها في يديه الإلهيتين.

أمَّا الكئيب، فلا يستطيع أن ينسى مشاكله. إنها قائمة دائماً أمام عينيه، تتعبه وتزعجه. وكُلَّما فكَّر فيها، ترهق أعصابه. ورُبَّما يحتاج إلى طبيب نفسي، يعطيه منوماً أو مهدئاً،
لكي تستريح أعصابه. على أن تلك المهدئات، هى مُجرَّد علاج من الخارج، بينما الداخل
في تعب...

?? حسن أن الإنسان البشوش يعطي لنفسه فرصة يعمل فيها اللَّه. وإن أتعبته مشكلة،
وعجز فكره عن حلَّها، يُصلِّي واثقاً أن اللَّه لابد سيتدخل، ولا داعي مُطلقاً للقلق...

البشوش يجعل اللَّه بينه وبين المشكلة، فتختفي المشكلة وراء اللَّه. أمَّا الكئيب فيضع المشكلة بينه وبين اللَّه، فلا يرى اللَّه يعمل.

?? البشوش لا يعطي للمتاعب وزناً فوق وزنها الطبيعي. وكثير من الأمور يأخذها ببساطة، فلا تتعقَّد أمامه. وبطبيعة نفسه لا يتضايق إلاَّ من الأمور التي هى فوق الاحتمال .. وهو في العادة له قلب واسع لا يتضايق لأي سبب، ولا يفقد بشاشته.

?? إن الإنسان عموماً قد يفقد بشاشته بسبب عدم الإكتفاء. أي أنه لا يكتفي بما عنده،
بل يتطلَّع باستمرار إلى طموحات عالية رُبَّما لا تكون سهلة المنال. فإن لم ينلها يكتئب.
ولهذا فالإنسان القنوع الراضي بما قسم اللَّه له، يكون دائماً بشوشاً شاكراً.

إنَّ الطامع في منصب كبير أو في مستوى عالي، إن لم تتحقق آماله، فإنه يكتئب
ويفقد بشاشته. ومن العجيب أن كبار الأغنياء قد يفقدون بشاشتهم أيضاً، إن أرادوا نمواً لثرواتهم ولم يتحقَّق ذلك. وقد يتحقَّق لهم ما يريدون، ومع ذلك يفقدون البشاشة إذ يجدون أمامهم ضرائب ومستحقات للدولة لا يحبون دفعها كلها. وإن لجأوا إلى التهرب الضريبي، تصدمهم قضايا وأحكام تفقدهم البشاشة أيضاً!!

?? الإنسان البشوش يحب أن يكون جميع الناس بشوشين مثله. فلذلك هو يحاول دائماً أن ينسيهم أحزانهم، ويشع فيهم الإطمئنان، ويبحث عن حلول لمشاكلهم، ويعطيهم تعليلاً مريحاً لكل الضيقات، ويجلب البهجة لهم مهما حدث...

إنه يخفف من قدر المتاعب، ولا يحسب لها ثقلاً. وفي كل مشكلة تحل لغيره، يريحه بأن الرب الحنون المُحب يقول: " تعالوا إليَّ يا جميع التعابى والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم ".

?? الإنسان البشوش لا يعيش في التعب الحاضر، إنما بالرجاء يعيش في الفرح المقبل. يعيش سعيداً ولو في الخيال. وله إيمان أن اللَّه لابد سينقذه من تعبه. إنه مؤمن بالمعونة الإلهية التي لا يشك مطلقاً في وصولها إليه. إن لم يكن اليوم، فغداً.

?? هناك مشكلة في موضوع البشاشة وهى أن البعض يخلط بين الجدية والعبوسة،
وبين الضحك والخطيئة. وكأن الذي لا يكون عابساً، فهو بالضرورة يكون عابثاً!!
أو على الأقل يكون ساهياً عن نفسه، أو غافلاً عن الاهتمام بأبديته وناسياً لخطاياه.

ومن هنا نرى أن بعض المتدينين أو رجال الدين يحرصون دائماً أن يتصفوا بالجدية أو بالتَّزمُّت. وهذا يقودهم إلى أن يكون كل منهم عابساً. ويعتبرون المرح أو البشاشة حراماً..!

وهذا التَّزمُّت له خطورته، لأنهم يخيفون الناس من التدين. أو هم يقدمون للناس صورة عن التدين غير سليمة. ونقول: لماذا لا يكون الإنسان متديناً، ومرحاً وبشوشاً في نفس الوقت؟ وهل معنى التدين أن ينفصل الإنسان عن الحياة الاجتماعية وما فيها من مرح وبهجة؟
وهل إذا ضحك المتدين يبكته ضميره؟ وماذا عن الحفلات التي تتميز بالمرح، هل مستواها هابط؟ وماذا عن الطفل الذي يحب أن يضحك، ويحب مَن يضحكه؟ هل نعلّمه التَّزمُّت؟!

حبيب البابا
04-09-2009, 08:20 PM
توتر الأعصاب


بقلم قداسة البابا شنوده الثالث


جريدة الأهرام






ما هى الأسباب التي تؤدي إلى توتر الأعصاب؟ وكيف يتصرف الإنسان إذا وجد أن أعصابه متوترة؟ وما علاج توتر الأعصاب بصفة عامة؟


إنَّ أسباب توتر الأعصاب: بعضها جسدية، والبعض نفسية أو روحية.


?? فمن الأسباب الجسدية التعب والإرهاق:


إن الأعصاب تتعب ضمن الجسد المتعب. وتكون في حالة لا تحتمل فيها شيئاً.
وأي ضغط عليها أو أيَّة إثارة، تسبب لها توتراً، يظهر في انفعالات الإنسان وتصرفاته:


إنَّ العمل المتواصل يعرض الأعصاب ـ كما يعرض الجسد كله ـ إلى الإرهاق. لذلك يحتاج الإنسان إلى الراحة والإسترخاء خلال فترات العمل. كما يحدث مع تلاميذ المدارس: يعطونهم فسحة بين الحصص، يسمونها في الإنجليزية Break، لأنها تكسر حدة العمل المتواصل، وتريح الذهن، كما تريح الجسد، وبالتالي تريح الأعصاب.


?? ونلاحظ أن اللَّه ـ تبارك اسمه ـ قد منحنا يوم راحة في الأسبوع. لأنه وهو الخالق لطبيعتنا، يعرف أن طبيعتنا تحتاج إلى هذه الراحة، كما يعرف أن العمل المتواصل بدون راحة، يُسبِّب للإنسان مشاكل كثيرة.


لذلك احترس من أن تدخل في لقاء أو حوار ساخن، وأنت مُرهَق جسدياً، لأن أعصابك أيضاً تكون مرهقة، ولا تحتمل سخونة الحوار ... بينما إذا تمَّ ذلك اللقاء ـ وأنت مستريح جسدياً وعصبياً ـ فإنه يمر بطريقة سهلة، ويأتي بنتيجة أفضل.


إذن لا تعتبر فترات الراحة والإسترخاء لوناً من الترفه، بل هى من لوازم النجاح. وكما لا تدخل في نقاش حاد وأنت مرهق، كذلك لا تدخل في مثل هذا النقاش مع شخص تعرف أنه مرهق، لأن حالته الصحية لا تساعده على التفكير العميق، ولا على مجابهة رأي معارض.


?? أيضاً قد يكون من أسباب التوتر، مرض الأعصاب:


فالأعصاب المريضة لا تحتمل كثيراً، بل تتوتر بسرعة. وهى تحتاج إلى علاج عند أطباء متخصِّصين. وبعض أمراض الأعصاب لا علاقة لها بالنفسية والأخلاق. مثال ذلك: شخص مريض بالعمود الفقري، وإحدى الفقرات تضغط على عصب مُعيَّن فتتعبه أو تلهبه. ويكون هذا المريض ـ في ألمه ـ غير مُحتمل لحوار أو نِقاش.


بل المرضى عموماً، الذين يشتد عليهم المرض والألم، قد يكونون في حالة من التعب
لا تحتمل أي لون من الجدل.


?? وقد يكون سبب التوتر، هو أن الشخص عصبي بطبعه، يثور بسرعة لأدنى سبب. ويحتد ويرتفع صوته، وتتغيَّر لهجته، وتتجهَّم ملامحه. ومثل هذا الشخص يحتاج إلى علاج نفسي، وإلى تداريب روحية على الهدوء وضبط النفس وحُسن معاملة الآخرين.


والمعروف أن كلمة نرفزة مأخوذة من كلمة Nerves أي أعصاب. فابعد عن الإحتكاك بمثل هؤلاء، لئلا تسمع منهم ما لا يرضيك.


?? وقد يكون سبب توتر الأعصاب، هو طبع العنف أو التَّزمُّت:


فالإنسان الذي يتخذ العنف منهجاً في حياته، تكون طبيعة تصرفاته مصحوبة بالتوتر. ولا يقبل نِقاشاً ولا مخالفة له في الرأي. ويحاول أن يصل إلى هدفه بسرعة ومن أقصر الطُّرُق، وبشدة. فلو قوبل عنفه بعنف، يزداد الأمر توتراً من الجانبين.


?? كذلك الإنسان المُتزمِّت لا يكون واسع الصدر، ولا واسعاً في تفكيره. وتزمّته يجعله يضيِّق على نفسه، وعلى غيره أيضاً، ويكون التعامل معه مشحوناً بالتوتر.


وكما نجد الأشخاص المُتزمِّتين ملامحهم عابسة، بجدية متحفزة وعيون ملتهبة، وأعصاب مستعدة للهجوم، مع تعليقات متشدِّدة قاسية: " هذا خطأ، وهذا حرام، وهذا لا يليق ".


والمُتزمِّت قد يقيم نفسه رقيباً على جميع الناس، ومصلحاً للمجتمع كله، محاولاً أن يُصلح الكبار كما يصلح الصغار، والذين يعرفهم والذين لا يعرفهم. إنه يثور على كل شيء، في كل مكان، في كل مناسبة وبلا مناسبة ... كل ذلك بأعصاب متوترة.


?? لذلك، نصيحتي إليك ـ لكي تهدأ أعصابك وتبعد عن التوتر ـ أنك لا تقم نفسك رقيباً على غيرك. ولا تتدخل فيما لا يعنيك، ولا تحاسب أحداً إلاَّ ما هو في حدود مسئوليتك الخاصة.
أمَّا ما هو خارج ذلك، فلا تحشر نفسك فيه. وقُل لنفسك: " مَن أقامني قاضياً أو محاسباً ".
بهذا تستريح أعصابك وتهدأ.


?? وقد يكون سبب التوتر حالة نفسية:


مثل الاضطراب أو القلق، أو الخوف أو الخجل أو التردد. ففي هذه الحالات تتوتَّر الأعصاب، وبخاصة لو لم تجد حلاً، ولم تجد وسيلة للتعبير عمَّا تريد ... ويحتاج الإنسان في هذه الحالة، أن يهدئ نفسه من الداخل.


?? كذلك قد تتعب الأعصاب، بسبب الأفكار السوداء:


إذ يُفكِّرون بطريقة تشد أعصابهم وتتعبهم. مثال ذلك الذي لا يتوقَّع إلاَّ شراً، ولا يتخيَّل إلاَّ أسوأ النتائج. ومثله الإنسان الشكَّاك، والمُعقَّد، والذي يتمادى بسرعة في تفكيره،
بغير حدود، فتتعب أعصابه.


?? ومن أسباب توتر الأعصاب، الضغوط الخارجية:


مع خطأ التعامل معها. كالمشاكل والضيقات المتتابعة، والتي تبدو صعبة الحل. وأيضاً أخطاء الآخرين ونتائجها، أو قسوتهم وسوء معاملتهم. على أن كل الضغوط الخارجية لا تؤثِّر إلاَّ من جهة نفسية الشخص. فالبعض قد يقابلها باحتمال أو بحكمة، والبعض يقابلها بلا مبالاة أو يجعلها خارج نفسه. والبعض يقابلها بإنفعال، وتتوتر أعصابه بسببها.


?? ومن أسباب التوتر سماع أو قراءة الأخبار المتعبة:


فهى إمَّا أن تكون متعبة في نوعيتها، أو في تكرارها. فالأخبار المزعجة والمقلقة والمثيرة، أو التي تحوي ظلماً أو تسبب شراً، والأخبار المغرضة، والأخبار الكاذبة .. كل هذه كلها تثير الأعصاب وتُسبِّب توتراً. لذلك فالبُعد عن هذه الأخبار يريح النفس، وأيضاً مقابلتها بلا مبالاة ...


?? من أسباب توتر الأعصاب أيضاً الإلحاح المستمر، والإطالة والتكرار:


ويكون ذلك الإلحاح ضغطاً على أعصابك، وبخاصة إذا قلت للمتكلِّم قد فهمت ما تقصد، ومع ذلك يزيد ويعيد نفس المفهوم. أو إذا وعدته بأنك ستنفذ طلبه، ومع ذلك يلح ويلح،
غير مهتم بوقتك أو بأعصابك. أو مَن يشرح لك شيئاً، وتقول له: " قد عرفت " ومع ذلك يطيل الشرح ويُكرِّر الكلام. كل ذلك يسبب توتر الأعصاب.


?? مِمَّا يريح أعصابك، أن تتعوَّد البشاشة، وأن يدخل في حياتك روح المرح. ففي ذلك تنبسط الأعصاب بدلاً من التوتر. وبعكس ذلك يحكم المتزمتون على المرح والضحك بأنه حرام!


وتوتر الأعصاب يعالج أيضاً بالحياة الروحية السليمة. فالإنسان الروحي بعيد عن التوتر، يؤمن أن اللَّه يتدخل في المشاكل لكي يحلَّها، ويؤمن أن كل باب مغلق، له مفتاح يرسله اللَّه، أو عدَّة مفاتيح. وهو إن قرأ عن أخبار متعبة، يضيفها إلى معلوماته وليس إلى أعصابه. ويؤمن أن اللَّه سيحوّلها إلى خي

حبيب البابا
04-09-2009, 08:22 PM
الكذب وأنواعه


بقلم قداسة البابا شنوده الثالث


جريدة الأهرام






بمناسبة ما يقولونه عن ( كذبة ابريل )، وما يدعيه البعض مما يسمى بالكذب الأبيض!! أريد أن اكلمكم فى هذا المقال عن الكذب بأنواعه الكثيرة. على الرغم من تعدد الأنواع، الكذب هو الكذب مهما كان شكله.


?? من بين أنواع الكذب صانعوا الشائعات ومروجوها. وقد يقع فى هذا الخطأ أيضاً البسطاء الذين يصدقون كل ما يسمعونه، ويتكلمون عنه بالحقيقة دون فحص أو تأكد. كذلك من يسمع من أمثال هؤلاء ويشترك فى نقل الكذب وما شبه.


ما أعمق الحكمة التى تقول: " لا تصدق كل ما يقال " ... فلو كنا نعيش فى عالم مثالى كل ما فيه صدق، لكان من الممكن أن نصدق كل خبر. لكن ما دام الكذب موجود فى العالم، فيجب علينا أن ندقق ونحقق قبل أن نصدق.


فلا يصح أن يشك أحد فى تصرفات صديقه، أو حتى عدوه، بسبب كلام قد سمعه عنه، بدون تحقق دقيق، حتى لو كان قد سمع نفس الكلام من كثيرين. فما أكثر ما يكون كلام هؤلاء جميعاً له مصدراً واحداً خطأ. وربما من يبلّغ الخبر الخطأ، ينطبق عليه قول الشاعر


أثّر البهتان فيه وأنطوي الزور عليه


يا له من ببغاء عقله فــى اذنيـه


?? ان كان نقل الكلام خطيئة ويسبب مشاكل، فأنه اخف الناس ضرراً من ينقلون الكلام كما هو كما يفعل مسجل الصوت " الريكوردر " الأمين الصادق الذى لا يزيد على ما يقل شيئاً. فما أعمق شر الذين ينقلون الكلام بعد أن يضيفوا عليه رأيهم واستنتاجاتهم واغراضهم أو ما يدعونه عن قصد المتكلم ونياته!! ويقدمون كل ذلك لغيرهم كأنه الكلام المباشر الذى نطق به من قد سمعوه!!.


?? ما اكثر الأخبار التى تصل اليك وتكون مختلفة تماماً عن الواقع. فقد يدعون إن فلاناً قال وقال، بينما هو لم يقل شيئاً من ذلك كله. وربما لا يشاء ذلك الشخص أن يكذّب ما قاله. لأن طباعه هى أن يدخل مع غيره فى إشكالات. أو أنه يترك الأمور لكى تنكشف فيما بعد. أو انه لا يعير ما يقل عنه اهتماماً.

?? من أنواع الكذب أيضاً المبالغة:-


وواضح أن المبالغة ليست كلها حقاً ولا صدقاً أياً كان نوعها بالمديح أو الذم: وغالباً ما تكون كلمة " كل " أو كلمة " جميع " تحمل مبالغة ليست كلها صدقاً. كأن يقول شخصاً " كل أهل البلد الفلانى بخلاء !! ". بينما يكون من بينهم من يتصفون بالكرم وتكون عبارته كذباً وإدعاء".


من بين أنواع الكذب: النفاق والمحاباة:


النفاق قد يأخذ أيضاّ اسماً آخر هو الملق وكلاهما يعنيان المديح الزائف او المديح الزائد عن الحد. مثل مديح موظف لرئيسه، أو قروي لعمدة بلده. أو ما أشبه. ونري أن كثيرا من الوصوليين يصلون إلي أغراضهم بغير وجه حق، عن طريق ملق زائف لا يبني علي حق. ويرون ذلك أسهل سبيل يوصلهم. وهذه المبالغة وقع فيها كثير من الشعراء، حتى قيل عنهم " الشعر اعذبه اكذبه" .


ويزيد خطأ النفاق بشاعة، إن كان صاحبها بوجهين: أي يتملق شخصاً في وجهه، ويذمه في غيبته.


?? ومن بين أنواع الكذب: الرياء.


وذلك بأن يظهر الانسان في صورة يراها الناس علي غير حقيقته. وتكون له صفتان مضادتان لبعضهما البعض: صورة حقيقية وهي رديئة وبشعة وصورة أخري تبدو جميلة ومجيدة وهي التي يراها الناس فلذلك سمي هذا بالرياء. وفى ذلك قال الشاعر


ثوب الرياء يشفّ عما تحته فإذا التحفت به فإنك عاري


ويتبع هذا الرياء، أن يمدح الانسان نفسه بما ليس فيه ويظهر هذا واضحا فيما يسمونه "الفخر" وبعض الفخر يبدو فيه الكذب واضحاً جداً. ولكنه في صورة بلاغية جميلة. كقول الشاعر:


ولو أرسلت رمحي مع جباناً لكان بهيبتي يلقي السباعا


?? ومن أنواع الكذب أيضا: أنصاف الحقائق. وذلك بأن يخفي المتكلم النصف الآخر من الحقيقة. بينما الذى يذكره يعطي معني عكسياً. مثل إخفاء عيوب إنسان، وذكر فضائله. أو العكس بإظهار عيوبه فقط وتقديم صورة مشوهة عنه!! وصدق الذي قال: " ان أنصاف الحقائق، ليس فيها إنصاف للحقائق ". من أجل هذا يُطلب من الشاهد فى المحكمة أن يقول الحق كل الحق.














?? يظن البعض أن الكذب ينجّي!! ويلجأ إليه المخطئ لإخفاء خطية معينة.


و نصيحتي لهؤلاء أن حبل الكذب قصير. ولابد أن ينكشف، فتصير الخطية أكبر. وعموما فأن الذي يخاف من إنكشاف خطأ يفعله، يجب عليه ألا يفعل ذلك الشئ. وبهذا يستريح من خطايا كثيرة.


?? يلجأ البعض إلي الكذب بسبب الخوف أو الإحراج أو إلحاح الذي يسأل.


ونصيحتنا أن السكوت أفضل من الكذب. لذلك اصمت أو غير مجري الحديث، أو أعتذر عن عدم الأجابة. أو تكلم بالصدق في الحدود التي تستطيعها. أو تكلم بصراحة وشجاعة ودافع عما تراه حقاً. أو اعترف بالخطأ واعتذر.


?? قد يحدث الكذب أحياناً فى مجال المجاملة فقد يحابى شخص أهل الميت، فيمدحه وقت تأبينه مديحاً بما ليس فيه، بأسلوب يتعب السامعين، ويفقدهم الثقة في كلام التأبين.


و نصيحتنا أن يكتفى بمديح الميت بالفضائل المعروفة عنه بغير مبالغة. أو يركز المتكلم كلامه عن الموت والأبدية.


?? وقد يقع الإنسان فى الكذب عن طريق دفاعه عن الخطأ فى خطية ثابته. بينما مبرئ المذنب ومذنب البرئ كلاهما لا يرضى الله عنهما. لأن كلا منهما ضد الحق وما يقولانه كذب. وربما يقول شخص أنا لا أريد أن اشوّه سمعة إنسان خاطئ. ولكن عليه أن يحترس جداً إن كان دفاعه عن هذا المذنب يسبب ضرراً للغير مثال لذلك: لنفرض أن فتاة فاضلة تقدم لخطبتها شاب وأنت تعلم عنه انه متعب. وإن تزوجها سوف يذيقها المرّ، فإن أخذوا رأيك فيه، هل تبرأه وهو مذنب؟! وبهذا تضيع مستقبل تلك الفتاة المسكينة الفاضلة!!.


?? وقد يكون الكذب بسبب الكبرياء أو إخفاء الجهل. كأن يُسال شخصاً كبير عن أمر هو يجهله. فلكى يظهر أنه يعرف، يجيب أية إجابة خاطئة لخفى جهله بينما لا يضر الإنسان فى شئ أن يقول لا أعرف. وليس من المفروض أن كل شخص يعرف كل الأمور. وعلى رأى المثل " من قال لا أعرف فقد أفتىّ ".


?? أحياناً يقف أمامنا سؤال. هل إخفاء بعض الحقائق يعتبر كذباً؟ والأجابة أنه إن كان الأمر يتعلق بخصوصيات أو أسرار خاصة به أو بغيره، ولا يجوز له أن يكشفها فليس الأخفاء خطأ. وخصوصاً ما يتعلق بسر المهنة... كما أن هناك أموراً من الضرر البالغ اذاعتها الا من المسئولين فى الوقت المناسب. ويمكنك ان تقول لمن يسأل عن أمر كهذا " إعفنى من هذا السؤال ".